وَأُلْغِيَ مَا مَضَى (إلَّا أَنْ يَبْقَى) مِنْ الْأَوَّلِ (يَسِيرٌ) كَخَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا فَدُونَ (فَيُكَمَّلُ الْأَوَّلُ) ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ لِلثَّانِي حَدٌّ
[دَرْسٌ] (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ السَّرِقَةِ فَقَالَ (تُقْطَعُ) يَدُ السَّارِقِ (الْيُمْنَى) مِنْ الْكُوعِ (وَتُحْسَمُ) أَيْ تُكْوَى (بِالنَّارِ) وُجُوبًا خَوْفَ تَتَابُعِ سَيَلَانِ الدَّمِ فَيَهْلَكُ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ حَدِّ السَّرِقَةِ فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْإِمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَأَنَّهُ عَلَى الْكِفَايَةِ يَقُومُ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَوْ غَيْرُهُمَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُغْلَى الزَّيْتُ عَلَى نَارٍ وَتُحْسَمُ بِهِ لِتَنْسَدَّ أَفْوَاهَ الْعُرُوقِ فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ وَأَصْلُ الْحَسْمِ الْقَطْعُ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكَيِّ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي قَطْعِ الدَّمِ (إلَّا لِشَلَلٍ) بِالْيُمْنَى أَوْ قَطْعٍ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ قِصَاصٍ سَابِقٍ لَا بِسَرِقَةٍ سَابِقَةٍ (أَوْ نَقْصِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ) مِنْ الْيُمْنَى كَثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ (فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ (وَمَحَا) الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ أَمَرَ بِمَحْوِ الْقَوْلِ بِقَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى (لِيَدِهِ) أَيْ لِلْقَوْلِ بِقَطْعِ يَدِهِ (الْيُسْرَى) فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ أَوْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ وَقِيسَ عَلَيْهِ نَاقِصَةُ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَحَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ دُونَ مَا أَثْبَتَهُ وَلِذَا رَتَّبَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ الْآتِيَ عَلَى الْمَمْحُوِّ فَقَالَ.
(ثُمَّ) إنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى ابْتِدَاءً لِلْمَانِعِ الْمُتَقَدِّمِ تُقْطَعُ (يَدُهُ) الْيُسْرَى (ثُمَّ) إنْ سَرَقَ ثَالِثًا قُطِعَتْ (رِجْلُهُ) الْيُمْنَى وَالْقَطْعُ فِي الرِّجْلَيْنِ مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبَيْنِ كَالْحِرَابَةِ وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ إلَى هُنَا لِيُفِيدَ رُجُوعَهُ لِلرِّجْلِ أَيْضًا كَانَ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ إلَخْ مُفَرَّعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا رَمَاهُ بِهِ الْقَاذِفُ وَلَا يُخْشَى مِنْ لَغَطِ النَّاسِ وَالتَّكَلُّمِ فِيهِ إذَا حُدَّ قَاذِفُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ إنْ أَرَادَ سَتْرًا مَا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ جَدَّهُ فَلَهُ الْعَفْوُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهِ وَلَوْ بَلَغَ الْإِمَامَ كَمَا فِي ح وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّعْزِيرُ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ اُنْظُرْ عبق (قَوْلُهُ: وَأُلْغِيَ مَا مَضَى) أَيْ مِنْ الْحَدِّ قَبْلَ الْقَذْفِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ يَبْقَى يَسِيرٌ) حَدُّوهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ.
بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ: تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَقَطْعُهَا بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ سَرِقَةِ طِفْلٍ أَوْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: الْيُمْنَى) ظَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ أَعْسَرَ قَالَ عبق وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّ الْأَعْسَرَ تُقْطَعُ يُسْرَاهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ وَتَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ غَازِيٍّ وَلَمْ يَذْكُرُوا مُقَابِلًا لَهُ وَكَتَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْخِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ أَنَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَعْسَرَ لَا يَتَصَرَّفُ بِالْيَمِينِ، إلَّا نَادِرًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي الشَّلَلِ وَأَمَّا الْأَضْبَطُ فَتُقْطَعُ يُمْنَاهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْكُوعِ) أَيْ كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بِسَبَبِ الْإِجْمَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ الْمَنْكِبِ.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْإِمَامِ) أَيْ فَإِنْ تَرَكَهُ أَثِمَ.
(قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ح أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَيْ وُجُوبًا كَفَائِيًّا فَمَتَى فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ أَيْ وَأَمَّا مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا كَمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ إمَامٌ الْآتِيَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَسْمَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ ظُلْمًا التَّدَاوِي كَمَا نَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِحَقٍّ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمُدَاوَاةِ وَمَنْ تُرِكَ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَتْلِ النَّفْسِ بِخِلَافِ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا فَلَهُ تَرْكُ الْمُدَاوَاةِ حَتَّى يَمُوتَ وَإِثْمُهُ عَلَى قَاطِعِهِ اُنْظُرْ ح اهـ بْن (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُمَا) أَيْ فَمَتَى قَامَ بِهِ أَحَدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِي.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِشَلَلٍ بِالْيُمْنَى) أَيْ، إلَّا لِفَسَادٍ فِيهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الشَّلَلُ بَيِّنًا وَأَمَّا إنْ كَانَ خَفِيًّا فَلَا يُمْنَعُ الْقَطْعُ قَالَهُ ح (قَوْلُهُ: لَا بِسَرِقَةٍ إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَ الْقَطْعَ بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ سَرِقَةٍ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَمَحَا إلَخْ إذْ مَا قُطِعَتْ بِسَرِقَةٍ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ ثَانِيَةً تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى بِخِلَافِ مَنْ سَرَقَ وَفِي يُمْنَاهُ شَلَلٌ أَوْ قُطِعَتْ فِي قِصَاصٍ أَوْ سَقَطَتْ بِسَمَاوِيٍّ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا هَلْ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى أَوْ يَدُهُ الْيُسْرَى.
(قَوْلُهُ: وَمَحَا الْإِمَامُ إلَخْ) ضَمَّنَ الْمُصَنِّفُ مَحَا مَعْنَى غَيَّرَ فَلِذَا عَدَّاهُ بِاللَّامِ أَيْ وَغَيَّرَ الْإِمَامُ الْقَوْلَ بِقَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِلْقَوْلِ بِقَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى (قَوْلُهُ: فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ) أَيْ أَنَّ الْمَحْوَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ لِقَطْعِهَا بِقِصَاصٍ أَوْ سُقُوطِهَا بِسَمَاوِيٍّ أَوْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ وَقِيسَ عَلَى مَا ذُكِرَ نَاقِصَةُ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ فَهِيَ لَا مَحْوَ فِيهَا صَرَاحَةً خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْمَحْوَ وَقَعَ فِي الشَّلَلِ وَالنَّقْصِ مَعًا مَعَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ تَذْكُرْ فِي النَّقْصِ مَحْوًا وَلَا رُجُوعًا وَلَا خِلَافًا وَنَصُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ يَمِينِ يَدَيْهِ، إلَّا إصْبَعًا أَوْ إصْبَعَيْنِ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى اهـ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَسْأَلَةَ النَّقْصِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَحْوَ فِيهَا صَرَاحَةً لَكِنَّهُ فِيهَا قِيَاسًا وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ الْمَحْوَ إنَّمَا وَقَعَ صَرَاحَةً فِي الشَّلَلِ وَلَمْ يَقَعْ فِي نَاقِصَةِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ وَلَا فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ وَنَصُّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَحْوَ فِي الشَّلَلِ وَنَقْصِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ فِيمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا الْمَحْوُ فِي الشَّلَلِ خَاصَّةً كَمَا فِي الْأُمَّهَاتِ لَكِنْ الْحُكْمُ وَاحِدٌ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْمُثْبِتِ وَقَوْلُهُ: رَتَّبَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ الْآتِيَ عَلَى الْمَحْوِ أَيْ لِكَوْنِهِ الْمُعْتَمَدَ