(لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ) تَشْبِيهٌ فِي مُجَرَّدِ الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إذْ الْخِلَافُ فِي الْأَوَّلِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُسْلِمِ وَعَدَمِهَا وَفِي هَذَا فِي قَتْلِ الْقَائِلِ لِنِسْبَةِ الْبَارِي تَعَالَى لِلْجَوْرِ فَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي السَّبِّ، وَفِي اسْتِتَابَتِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَعَدَمِ قَتْلِهِ بَلْ يُؤَدَّبُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الشَّكْوَى.
[دَرْسٌ] (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ حَدَّ الزِّنَا وَأَحْكَامَهُ وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبِالْمَدِّ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ وَالنِّسْبَةُ لِلْمَقْصُورِ زَنَوِيٌّ وَلِلْمَمْدُودِ زَنَّائِيٌّ، فَقَالَ (الزِّنَا) شَرْعًا وَهُوَ مَا فِيهِ الْحَدُّ الْآتِي بَيَانُهُ (وَطْءُ مُكَلَّفٍ) حُرًّا أَوْ عَبْدًا (مُسْلِمٍ) وَإِضَافَةُ وَطْءٍ لِمُكَلَّفٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَيُرَادُ بِالْفَاعِلِ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْفِعْلُ فَيَشْمَلُ الْوَاطِئَ وَالْمَوْطُوءَ فَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ فَلَا يُحَدُّ صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا كَافِرٌ إذْ وَطْؤُهُمْ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا، وَالْوَطْءُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَلَوْ بِحَائِلٍ خَفِيفٍ لَا يَمْنَعُ اللَّذَّةَ وَبِغَيْرِ انْتِشَارِ (فَرْجِ آدَمِيٍّ) قُبُلًا أَوْ دُبُرًا لَا غَيْرِ فَرْجٍ كَبَيْنِ فَخِذَيْنِ وَلَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ وَلَا جِنِّيٍّ إنْ تَصَوَّرَ بِصُورَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ (لَا مِلْكَ لَهُ) أَيْ لِلْوَاطِئِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْجِ أَيْ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَيْهِ شَرْعًا فَالْمَمْلُوكُ الذَّكَرُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَيْهِ شَرْعًا مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ (بِاتِّفَاقٍ) مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَقَطْ فَخَرَجَ النِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى زِنًا، وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ بِلَا شُبْهَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِخْرَاجِ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ بِدُبُرِهَا وَأَمَةِ الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُبَعَّضَةِ (تَعَمُّدًا) خَرَجَ بِهِ الْغَالِطُ وَالْجَاهِلُ وَالنَّاسِي كَمَنْ نَسِيَ طَلَاقَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرَضِ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ أَوْ اُبْتُلِيَ بِهِ فُلَانٌ مَا صَبَرَ اهـ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَةِ عبق وَفِيهِ أَنَّ هَذَا تَنْقِيصٌ بِمَرْتَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَالظَّاهِرُ الْقَتْلُ فِي هَذَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ: لِنِسْبَةِ الْبَارِي تَعَالَى لِلْجَوْرِ) أَيْ وَهُوَ كُفْرٌ وَقَدْ كَفَرَ إبْلِيسُ بِذَلِكَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَخَالَفَ وَقَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِتَابَتِهِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ خِلَافٌ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا
(بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ حَدَّ الزِّنَا) .
(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ) وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَعَلَيْهِ فَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ لِانْقِلَابِ الْأَلْفِ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَبِالْمَدِّ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ) أَيْ وَهُمْ تَمِيمٌ وَعَلَيْهِ فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَلِكَوْنِ الزِّنَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ جُعِلَ يَا ابْنَ الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ مِنْ صِيَغِ الْقَذْفِ.
(قَوْلُهُ: الزِّنَا شَرْعًا) خَرَجَ الزِّنَا الَّذِي لَا حَدَّ فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ وَمَنْ لَاطَ بِنَفْسِهِ وَوَطْءُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ كُلَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ زِنًا فِي اللُّغَةِ لَكِنْ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا وَكُلُّ هَذِهِ خَارِجَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِذِكْرِ الشُّرُوطِ وَحِينَ إذْ كَانَ لَا يُسَمَّى مَا ذَكَرْنَا شَرْعًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِذِكْرِ الشُّرُوطِ بِحَيْثُ يُقَالُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ أَمْرًا عَامًّا وَهُوَ الزِّنَا ثُمَّ بَيَّنَهُ بِخَاصٍّ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا عَامًّا بَلْ خَاصًّا بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الشُّرُوطِ فَذِكْرُهَا قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ أَلْ فِي الزِّنَا لِلْعَهْدِ الْعِلْمِيِّ أَيْ الزِّنَا الْمَعْهُودِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا فِيهِ الْحَدُّ الْآتِي) أَيْ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ رَجْمًا أَوْ جَلْدًا.
(قَوْلُهُ: مُكَلَّفٍ) أَيْ وَلَوْ سَكْرَانَ حَيْثُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَافِرٌ) أَيْ سَوَاءٌ وَطِئَ كَافِرَةً أَوْ مُسْلِمَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ تُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَطْءُ مُسْلِمٍ كَمَا أَنَّهَا تُحَدُّ إذَا مَكَّنَتْ مَجْنُونًا أَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ فِي فَرْجِهَا، وَرَجْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِيَّيْنِ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ إذْ ذَاكَ تَحْتَ الذِّمَّةِ.
(قَوْلُهُ: فَرْجِ آدَمِيٍّ) أَيْ غَيْرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاطِئِهِ فِي قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَثُقْبَةٍ، فَإِنْ وَطِئَ فِي دُبُرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ أُنْثَى فَيَكُونُ فِيهِ الْجَلْدُ كَإِتْيَانِ أَجْنَبِيَّةٍ بِدُبُرٍ وَلَا يُقَدَّرُ ذَكَرًا مَلُوطًا بِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهِ الرَّجْمُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَ هُوَ غَيْرَهُ لِلشُّبْهَةِ إذْ لَيْسَ ذَكَرًا مُحَقَّقًا، إلَّا أَنْ يُمْنِيَ فَلَا إشْكَالَ.
(قَوْلُهُ: قُبُلًا أَوْ دُبُرًا) أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّنَا هُنَا مَا يَعُمُّ اللِّوَاطَ (كَقَوْلِهِ كَبَيْنِ فَخِذَيْنِ) أَيْ أَوْ فِي هَوَى الْفَرْجِ وَكَمَا خَرَجَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ فَرْجِ آدَمِيٍّ خَرَجَ أَيْضًا مَنْ لَاطَ بِنَفْسِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَوَجْهُ خُرُوجِهِ بِهِ أَنَّ " آدَمِيٍّ " نَكِرَةٌ " وَمُكَلَّفٍ " نَكِرَةٌ وَالنَّكِرَةُ بَعْدَ النَّكِرَةِ غَيْرُهَا.
(قَوْلُهُ: إنْ تُصُوِّرَ بِصُورَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ) أَيْ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ بِصُورَةِ شَيْءٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ تَخَيُّلٍ، وَأَمَّا إذَا تُصُوِّرَ بِصُورَةِ الْآدَمِيِّ كَانَ وَطْؤُهُ زِنًا شَرْعًا وَيُحَدُّ الْوَاطِئُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي وَطْءِ الْجِنِّيِّ لِآدَمِيٍّ (قَوْلُهُ: شَرْعًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا خَرَجَ بِذَلِكَ مَنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا لِعَارِضٍ كَحَيْضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ وَطْأَهَا لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ لِزَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا تَسَلُّطٌ عَلَيْهَا شَرْعًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَوْلَا الْعَارِضَ (قَوْلُهُ: لَا تَسَلُّطَ لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا وَطِئَ مَمْلُوكَهُ الذَّكَرَ حُدَّ حَدَّ اللِّوَاطِ لَا حَدَّ الزِّنَا.
(قَوْلُهُ: بِاتِّفَاقٍ) رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ أَيْ انْتَفَى تَسَلُّطُهُ عَلَيْهِ شَرْعًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ النِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) أَيْ كَبِلَا وَلِيٍّ فَإِذَا وَطِئَ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا فَلَا حَدَّ فِيهِ وَخَرَجَ أَيْضًا وَطْءُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ بِدُبُرِهَا فَإِنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْإِبَاحَةِ، وَإِنْ كَانَ شَاذًّا أَوْ ضَعِيفًا فَلَا حَدَّ فِيهِ وَيُؤَدَّبُ.
(قَوْلُهُ: لَكَانَ أَحْسَنَ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعَمُّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَطْءِ حَلِيلَتِهِ) أَيْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ بِهِ الْغَالِطُ) أَيْ وَهُوَ مَنْ قَصَدَ زَوْجَتَهُ فَوَقَعَ عَلَى غَيْرِهَا غَلَطًا (قَوْلُهُ: وَالْجَاهِلُ)