فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ بَطَلَ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَبْقَى عَلَى حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَمْدِ وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي الدِّيَةِ، وَإِسْلَامِهِ
، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْجِنَايَةُ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْجَانِي الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ مُبَاشَرَةٌ وَسَبَبٌ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (إنْ) (قَصَدَ) الْمُكَلَّفُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ (ضَرْبًا) لِلْمَعْصُومِ بِمُحَدَّدٍ، أَوْ مُثَقَّلٍ (وَإِنْ بِقَضِيبٍ) وَسَوْطٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلًا، أَوْ قَصَدَ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَهَذَا إنْ فَعَلَهُ لِعَدَاوَةٍ، أَوْ غَضَبٍ لِغَيْرِ تَأْدِيبٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، أَوْ التَّأْدِيبِ، فَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ إنْ كَانَ بِنَحْوِ قَضِيبٍ لَا بِنَحْوِ سَيْفٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ وَلَوْ قَصَدَ مَا لَمْ يَقْصِدْ إزْهَاقَ رُوحِهِ كَمَا يَأْتِي وَشَبَّهَ بِالضَّرْبِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ قَوْلُهُ (كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ) ، أَوْ شَرَابٍ قَاصِدًا بِهِ مَوْتَهُ فَمَاتَ فَإِنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّعْذِيبِ، فَالدِّيَةُ وَمِنْ ذَلِكَ الْأُمُّ تَمْنَعُ وَلَدَهَا الرَّضَاعَ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ قَصَدَتْ مَوْتَهُ قُتِلَتْ، وَإِلَّا، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا (وَمُثَقَّلٍ) كَحَجَرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ كَذَا فِي عبق (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ) أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِهِ.
وَقَوْلُهُ (بَطَلَ حَقُّهُ) أَيْ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ وَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الْقَتْلِ إذَا طَلَبَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ) أَيْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يَجْهَلُ أَنَّ الِاسْتِحْيَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِصَاصِ كَالْعَفْوِ وَقَوْلُهُ (فَإِنَّهُ يَحْلِفُ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْجَهْلِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ وَيَبْقَى إلَخْ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ قَتْلِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْمُقِرِّ بِالْجِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَمْدِ) أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ عَمْدًا (قَوْلُهُ: فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ) أَيْ سَيِّدُ الْقَاتِلِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَلَا خِيَارَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَقَوْلُهُ فِي الدِّيَةِ، وَإِسْلَامِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْقَاتِلِ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ
(قَوْلُهُ: بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ) أَيْ مِنْ أَرْكَانِ الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ: مُبَاشَرَةٌ) أَيْ إتْلَافٌ بِمُبَاشَرَةٍ وَقَوْلُهُ وَسَبَبٌ أَيْ وَإِتْلَافٌ بِسَبَبٍ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ ضَرْبًا لِلْمَعْصُومِ) أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا قَصَدَ ضَرْبَ شَيْءٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ آدَمِيٍّ، أَوْ أَنَّهُ آدَمِيٌّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ لِكَوْنِهِ حَرْبِيًّا، أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْتَرَمٌ فَلَا قِصَاصَ وَلَوْ مُكَافِئًا لَهُ، وَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ فِيهِ الدِّيَةُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بِقَضِيبٍ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الضَّرْبُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالْمُحَدَّدِ، وَالْمُثَقَّلِ بَلْ وَإِنْ كَانَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالْقَضِيبِ، وَهُوَ الْعَصَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلًا) أَيْ هَذَا إذَا قَصَدَ بِالضَّرْبِ قَتْلَهُ بَلْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ مُجَرَّدَ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَصَدَ زَيْدًا إلَخْ) أَيْ قَصَدَ قَتْلَ شَخْصٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ زَيْدٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَمْرٌو، أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ زَيْدُ بْنُ بَكْرٍ وَلُزُومُ الْقَوَدِ فِيهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ أَوَّلًا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ بَعْدَهُ عَنْ مُقْتَضَى قَوْلِ الْبَاجِيَّ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي ح وَتَبِعَهُ خش مِنْ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ ضَرْبَ شَخْصٍ فَأَصَابَتْ الضَّرْبَةُ غَيْرَهُ أَنَّهُ عَمْدٌ فِيهِ الْقَوَدُ فَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَطَإِ لَا قَوَدَ فِيهِ فَانْظُرْهُ اهـ بْن وَاقْتَصَرَ فِي المج عَلَى مَا فِي ح (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ وَمَحَلُّ هَذَا، وَهُوَ الْقَوَدُ إنْ قَصَدَ ضَرْبَهُ إنْ حَصَلَ ذَلِكَ الضَّرْبُ لِعَدَاوَةٍ، أَوْ غَضَبٍ لِغَيْرِ تَأْدِيبِهِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِنَحْوِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الضَّرْبَ الْمَقْصُودَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، أَوْ الْأَدَبِ، فَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ إنْ كَانَ الضَّرْبُ بِآلَتِهِمَا، وَإِلَّا، فَهُوَ عَمْدٌ فِيهِ الْقَوَدُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى، أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَقْصِدَ ضَرْبَهُ كَرَمْيِهِ شَيْئًا، أَوْ حَرْبِيًّا فَيُصِيبُ مُسْلِمًا، فَهَذَا خَطَأٌ بِإِجْمَاعٍ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، فَهُوَ خَطَأٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمِثْلُهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْأَدَبَ الْجَائِزَ بِأَنْ كَانَ بِآلَةٍ يُؤَدَّبُ بِهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّرْبُ لِلتَّأْدِيبِ وَالْغَضَبِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ عَمْدٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا فِي الْأَبِ وَنَحْوِهِ فَلَا قِصَاصَ بَلْ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ عَلَى وَجْهِ الْغِيلَةِ فَيَتَحَتَّمُ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ لُزُومُ الْقَوَدِ إنْ قَصَدَ ضَرْبَهُ بِقَضِيبٍ فِي غَيْرِ الْأَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقْصِدْ إزْهَاقَ رُوحِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ (قَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ مَوْتَهُ) فِيهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْقِصَاصِ وَحِينَئِذٍ فَيُقْتَصُّ مِمَّنْ مَنَعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّعْذِيبَ وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ صُوَرِ الْعَمْدِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَاءَهُ مُسَافِرًا عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ وَأَنَّهُ يَمُوتُ إنْ لَمْ يَسْقِهِ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلِ قَتْلَهُ بِيَدِهِ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِمَنْعِهِ قَتْلَهُ، أَوْ تَعْذِيبَهُ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الذَّكَاةِ أَنَّ مَنْ مَنَعَ شَخْصًا فَضْلَ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ قُلْت مَا مَرَّ فِي الذَّكَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ مُتَأَوِّلًا وَمَا هُنَا غَيْرُ مُتَأَوِّلٍ آخِذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمَذْكُورِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ الْأُمُّ) أَيْ وَمِنْ مَنْعِ الطَّعَامِ، أَوْ الشَّرَابِ مَنْعُ الْأُمِّ وَلَدَهَا مِنْ لَبَنِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَصَدَتْ مَوْتَهُ قُتِلَتْ إلَخْ) أَيْ فَلَا تُقْتَلُ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا بَلْ حَتَّى تَقْصِدَ مَوْتَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الضَّرْبِ مِنْ قَصْدِ الْمَوْتِ، وَإِلَّا لَمْ يُقْتَلْ