(وَفَسْخُ عَقْدٍ) كَأَنْ يَقُولَ نَقَلْت مِلْكَ هَذِهِ السِّلْعَةِ لِزَيْدٍ، أَوْ مَلَّكْتُهَا لَهُ أَوْ فَسَخْتُ عَقْدَ هَذَا النِّكَاحِ، أَوْ الْبَيْعِ أَوْ أَبْطَلْته وَلَوْ لَمْ يَقُلْ حَكَمْت بِذَلِكَ وَهَذَا بَعْدَ حُصُولِ مَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى وَبَيِّنَةٍ وَتَزْكِيَةٍ، وَإِعْذَارٍ، أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَصِحَّتُهَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِإِقْرَارِهِ (وَتَقَرُّرُ نِكَاحٍ) أَيْ تَقْرِيرُهُ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَ (بِلَا وَلِيٍّ) بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ مَعَ شَاهِدَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَأَرَادَ بِالتَّقْرِيرِ السُّكُوتَ حِينَ رُفِعَ لِحَنَفِيٍّ أَمْرُهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ فَسُكُوتُهُ حُكْمٌ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ قَرَّرْته، وَأَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ لَا يُعَدُّ حُكْمًا يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَقَوْلُهُ (حُكْمٌ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَنَقْلُ مِلْكٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ فَيَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ إنْ وَقَعَ مِمَّنْ يَرَاهُ فَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِتَقْرِيرِ نِكَاحِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ لَا يُنْقَضُ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَشُفْعَةِ الْجَارِ مَعَ أَنَّ مَدْرَكَ تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا أَضْعَفُ مِنْ مَدْرَكِهِمَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.

(لَا) إنْ قَالَ حَاكِمٌ رُفِعَتْ إلَيْهِ نَازِلَةٌ كَمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ (لَا أُجِيزُهُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخٍ وَلَا إمْضَاءٍ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ.

(أَوْ) (أَفْتَى) بِحُكْمٍ بِأَنْ سُئِلَ عَنْ قَضِيَّةٍ فَأَخْبَرَ السَّائِلُ بِحُكْمِهَا فَلَا يَكُونُ إفْتَاؤُهُ حُكْمًا يَرْفَعُ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ إخْبَارٌ لَا إلْزَامٌ.

(وَ) إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي جُزْئِيَّةٍ (لَمْ يَتَعَدَّ) حُكْمُهُ (لِمُمَاثِلٍ) لَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِحِلِّ مَبْتُوتَةِ مَالِكِيٍّ بِوَطْءِ صَغِيرٍ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ - فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمَالِكِيِّ نَقْضُهُ وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ الْحِلِّ - وَمُحِلٌّ لِلْحَرَامِ عَلَى مَذْهَبِ الزَّوْجِ وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ ظَالِمًا فِي الْوَاقِعِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ ظَاهِرُهُ جَائِزٌ وَبَاطِنُهُ مَمْنُوعٌ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحْكُمْ بِجَوَازِهِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِهِ يُحِلُّ الْحَرَامَ كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا.

وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي بْن أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ مَا بَاطِنُهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَى بَاطِنِهِ لَمْ يَحْكُمْ فَحُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَا يُحِلُّ الْحَرَامَ وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا وَمَا بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ وَهَذَا إنْ حَكَمَ الْمُخَالِفُ فِيهِ بِقَوْلٍ غَيْرِ شَاذٍّ كَحُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِحِلِّ الْمَبْتُوتَةِ بِوَطْءِ الصَّغِيرِ كَانَ حُكْمُهُ رَافِعًا لِلْخِلَافِ وَمُحِلًّا لِلْحَرَامِ عَلَى مَذْهَبِ خِلَافِهِ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ وَرَفَعَ الْخِلَافَ وَإِنْ حَكَمَ فِيهِ الْمُخَالِفُ بِالشَّاذِّ كَالْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ فَهَذَا حُكْمُهُ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ كَالْأَوَّلِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا وَعِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ حُكْمُهُ كَالثَّانِي فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ وَرَفَعَ الْخِلَافَ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ.

(قَوْلُهُ: وَفَسْخُ عَقْدٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ رُفِعَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بَعْدَ حُصُولِ إلَخْ) أَيْ وَمَحَلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ حُكْمًا إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ بَعْدَ حُصُولِ إلَخْ أَيْ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ قَبْلَ حُصُولِ مَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ إلَخْ) وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْكُمَ عَلَيْهِ وَإِذَا جَاءَ سَمَّى لَهُ الْبَيِّنَةَ وَأَعْذَرَ لَهُ فِيهَا فَإِنْ أَبْدَى مَطْعَنًا نَقَضَ الْحُكْمَ وَإِلَّا فَلَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ إلَخْ يَعْنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَرِيبِ الْغَيْبَةِ كَالْغَائِبِ عَلَى مَسَافَةِ الْيَوْمَيْنِ وَأَمَّا بَعِيدُ الْغَيْبَةِ وَمُتَوَسِّطُهَا فَيَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْبِنَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَقَرَّرَ نِكَاحٌ وَأَوْلَى إذَا كَانَ التَّقْرِيرُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَهُوَ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) هَذَا الْبَحْثُ لِلشَّارِحِ وَفِي عبق وخش أَنَّ سُكُوتَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ حِينَ رُفِعَ إلَيْهِ أَمْرُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَدَمَ تَكَلُّمِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ حُكْمٌ عِنْدَنَا وَسَلَّمَ ذَلِكَ شَيْخُنَا وبن. (قَوْلُهُ: إنْ وَقَعَ مِمَّنْ يَرَاهُ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَالِكِيٍّ فَإِنَّ لِغَيْرِهِ نَقْضَهُ لِخُرُوجِ الْمَالِكِيِّ عَنْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ وَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ وَلَا حُكْمُهُ بِهِ حُكْمًا رَافِعًا لِلْخِلَافِ.

(قَوْلُهُ: لَا لَا أُجِيزُهُ) أَيْ وَكَذَا قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أَيْ صِحَّةُ الْبَيْعِ، أَوْ فَسَادُهُ، أَوْ مِلْكُ فُلَانٍ لِسِلْعَةِ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا حُكْمًا بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَرَوِيِّينَ غَلِطَ فِي ذَلِكَ وَأَلَّفَ الْمَازِرِيُّ جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِحُكْمٍ) أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ. (قَوْلُهُ: فَلِغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ. (قَوْلُهُ: بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمْضَاءَ، أَوْ الْفَسْخَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَفْتَى إلَخْ) أَيْ كَمَا لَوْ سُئِلَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ فَأَفْتَى بِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَيْ فَلَا يَكُونُ إفْتَاؤُهُ حُكْمًا يَرْفَعُ خِلَافًا فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ) أَيْ لِأَنَّ إفْتَاءَ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّتِهِ إخْبَارٌ بِالْحُكْمِ لَا إلْزَامٌ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ جَزْمُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى وَجْهِ مُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِهِ فَتْوَى لَا حُكْمٌ وَجَزْمُهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ حُكْمٌ.

(قَوْلُهُ: لِمُمَاثِلٍ) أَيْ لِجُزْئِيَّةٍ تَحْدُثُ مُمَاثِلَةٍ لِلْجُزْئِيَّةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015