وَلَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ، وَإِذَا مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لِلتَّوَثُّقِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ فَتَصَرُّفُهُ مَرْدُودٌ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ قَبُولُهُ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهُ مَثَلًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ وَبِهِ قَالَ بَعْضٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ حِينَئِذٍ وَرَجَحَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَجُوزُ قَبُولُهُ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا السُّكْنَى فِيهِ مَا لَمْ يَفُتْ عِنْدَ الظَّالِمِ وَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَإِلَّا جَازَ عَلَى الْأَرْجَحِ وَمَنْ اتَّقَاهُ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعَرْضِهِ.
(وَلَا رَدَّ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُلْزِمَ الْغَاصِبَ رَدَّ مَا صَاحَبَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ إلَى بَلَدِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ نَقْلَ الْمِثْلِيِّ فَوْتٌ كَالْمُقَوَّمِ إنْ احْتَاجَ لِكَبِيرِ حَمْلٍ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ لِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ (كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الرَّدِّ، وَالضَّمِيرُ فِي إجَازَتِهِ يَعُودُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَفِي بَيْعِهِ يَعُودُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِمَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَبَيْعُهُ مَفْعُولُ إجَازَتِهِ وَمَعِيبًا مَفْعُولُ بَيْعِهِ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ يَعْنِي أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ مَا غَصَبَهُ مَعِيبًا فَأَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعَهُ (زَالَ) الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (وَقَالَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنَّمَا (أَجَزْتُ) الْبَيْعَ (لِظَنِّ بَقَائِهِ) أَيْ الْعَيْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ زَوَالُهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ بَيْعٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ غَصَبَ أَمَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا، ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَأَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ، ثُمَّ عَلِمَ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ فَقَالَ إنَّمَا أَجَزْتُ الْبَيْعَ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ بِزَوَالِ الْعَيْبِ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أُجِيزُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ اهـ.
وَلَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ سَلِيمًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْبِ فَأَجَازَهُ رَبُّهُ لِظَنِّهِ بَقَاءَهُ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَفْرِيطُهُ إذْ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَالِكُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى عَيْنِ الْمِثْلِيِّ إذَا وَجَدَهُ مَعَ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ أَشَارَ إلَى أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ مُشَبِّهًا لَهُ أَيْضًا بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ فَقَالَ (كَنُقْرَةٍ) أَيْ قِطْعَةِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَكَذَا قِطْعَةُ نُحَاسٍ، أَوْ حَدِيدٍ غُصِبَتْ وَ (صِيغَتْ) حُلِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا، بَلْ لَهُ مِثْلُ النُّقْرَةِ، وَالنُّحَاسِ لِفَوَاتِهَا بِالصِّيَاغَةِ (وَطِينٍ لُبِّنَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ ضُرِبَ لَبِنًا لَا يُرَدُّ لِرَبِّهِ، بَلْ مِثْلُهُ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ (وَقَمْحٍ) مَثَلًا (طُحِنَ) وَدَقِيقٍ عُجِنَ وَعَجِينٍ خُبِزَ لِفَوَاتِهِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ نَاقِلًا فَمَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا لِلرِّبَا، وَهُنَا احْتَاطُوا لِلْغَاصِبِ فَلَمْ يُضَيِّعُوا كُلْفَةَ طَحْنِهِ، وَهُوَ، وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّ الطَّحْنَ غَيْرُ نَاقِلٍ هُنَا كَالرِّبَوِيَّاتِ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (وَبَذْرٍ) أَيْ مَا يُبْذَرُ مِنْ الْحُبُوبِ (زُرِعَ) فَيَلْزَمُهُ لِرَبِّهِ مِثْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ احْتَاجَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ) أَيْ، بَلْ أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ فَتَصَرَّفَ فِيهِ) أَيْ فَخَالَفَ وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ.
(قَوْلُهُ، وَإِلَّا جَازَ عَلَى الْأَرْجَحِ) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ جَازَ أَكْلُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ نَاجِيٍّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمِعْيَارِ وَلَوْ عَلِمَ الْآكِلُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَدْفَعُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِوَضِ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَاعْتَمَدَهُ أَيْضًا شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ خش خِلَافًا لِفَتْوَى النَّاصِرِ وَالْقَرَافِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ الْمَنْعِ إذْ عُلِمَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَدْفَعُ قِيمَةً
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ نَقْلَ الْمِثْلِيِّ فَوْتٌ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَبِمُجَرَّدِ نَقْلِهِ صَارَ اللَّازِمُ لَهُ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ إنْ احْتَاجَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَخْذُ رَبِّهِ لَهُ (قَوْلُهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَلِبَلَدِهِ وَلَوْ صَاحَبَهُ) وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَجِبُ الصَّبْرُ لِبَلَدِهِ وَلَوْ كَانَ مُصَاحِبًا لِلْغَاصِبِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ قَدْ يَقُولُ لِلْغَاصِبِ أَنَا أَصْبِرُ لِبَلَدِهِ وَلَكِنْ رُدَّهُ أَنْتَ إلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى، أَوْ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِهِ الْمَحْذُوفِ أَيْ كَإِجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِبَيْعِ الْغَاصِبِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ حَالَةَ كَوْنِهِ مَعِيبًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ بَيْعِهِ لِلْغَاصِبِ، وَالْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ مَعِيبًا الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ لَا الْغَاصِبُ (قَوْلُهُ إذَا بَاعَ مَا غَصَبَهُ مَعِيبًا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مَعِيبًا وَقْتَ بَيْعِ الْغَاصِبِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ طَارِئًا عِنْدَهُ، أَوْ كَانَ عِنْدَ رَبِّهِ قَبْلَ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ) أَيْ الَّذِي أَجَازَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَعَلُّلِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِظَنِّهِ دَوَامَ الْعَيْبِ لِتَفْرِيطِهِ إذْ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَرْجَحِ) هَذَا الْقَوْلُ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَظَاهِرُ ح تَرْجِيحُهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ لَهُ الرَّدُّ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ) أَيْ بَلَدِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ بِمَا تَضَمَّنَهُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا تَضَمَّنَهُ (قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ لَهُ) ، وَهُوَ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ لِقَوْلِ رَبِّ الْمَغْصُوبِ فَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ وَجْهُ الشَّبَهِ لَا الْمُشَبَّهُ بِهِ (قَوْلُهُ وَصِيغَتْ) أَيْ صَاغَهَا الْغَاصِبُ حُلِيًّا، أَوْ سَبَكَهَا، أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، أَوْ ضَرَبَ النُّحَاسَ فُلُوسًا (قَوْلُهُ لِفَوَاتِهَا بِالصِّيَاغَةِ) أَيْ وَكَذَا بِالضَّرْبِ.
وَأَمَّا جَعْلُ النُّحَاسِ تَوْرًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَفُوتًا (قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ الْجُزَافَ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ لِلْهُرُوبِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ وَلَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ طَعَامٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ الطِّينُ مِثْلِيًّا مَعَ أَنَّ ضَابِطَ الْمِثْلِيِّ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُكَالُ بِالْقُفَّةِ فَيَنْطَبِقُ الضَّابِطُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَقَمْحٍ مَثَلًا) أَيْ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ دَخَنٍ (قَوْلُهُ وَعَجِينٍ خُبِزَ) أَيْ فَلَا يُرَدُّ لِرَبِّهِ، بَلْ يُرَدُّ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّحْنِ، وَالْعَجْنِ، وَالْخُبْزِ نَاقِلًا فَمَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْقَمْحِ، وَالدَّقِيقِ وَبَيْنَ الدَّقِيقِ، وَالْعَجِينِ وَبَيْنَ الْعَجِينِ، وَالْخُبْزِ (قَوْلُهُ غَيْرُ نَاقِلٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلِرَبِّ الْقَمْحِ الْمَغْصُوبِ إذَا طَحَنَهُ الْغَاصِبُ أَخْذُهُ مَطْحُونًا وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الطَّحْنِ لِلْغَاصِبِ وَكَذَا إذَا عُجِنَ الدَّقِيقُ، أَوْ خُبِزَ الْعَجِينُ (قَوْلُهُ أَيْ مَا يُبْذَرُ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْبَذْرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ إذْ هُوَ مَصْدَرُ إلْقَاءِ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ لَا يُغْصَبُ، وَأَيْضًا هُوَ أَيْ الْبَذْرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الزَّرْعُ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ