أَحَدُهُمَا أَلْفًا وَالْآخَرُ أَلْفًا مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ غَائِبَةٌ ثُمَّ خَرَجَ رَبُّهَا لِيَأْتِيَ بِهَا وَخَرَجَ بِجَمِيعِ الْمَالِ الْحَاضِرِ فَلَمْ يَجِدْهَا فَاشْتَرَى بِجَمِيعِ مَا مَعَهُ تِجَارَةً فَإِنَّمَا لَهُ ثُلُثُ الْفَضْلِ أَيْ الرِّبْحِ
(لَا) تَجُوزُ الشِّرْكَةُ (بِذَهَبٍ) مِنْ جَانِبٍ (وَبِوَرِقٍ) مِنْ آخَرَ وَلَوْ عَجَّلَ كُلٌّ مَا أَخْرَجَهُ لِصَاحِبِهِ لِاجْتِمَاعِ الصَّرْفِ وَالشِّرْكَةِ فَإِنْ عَمِلَا فَلِكُلٍّ رَأْسُ مَالِهِ وَيَقْسِمَانِ الرِّبْحَ لِكُلِّ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ دِينَارٌ وَلِكُلِّ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ وَكَذَا الْوَضِيعَةُ (و) لَا (بِطَعَامَيْنِ وَلَوْ اتَّفَقَا) نَوْعًا وَصِفَةً وَقَدْرًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ الْآخَرِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَاعَ فَإِذَا بَاعَ لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَائِعًا لِمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِهِ
وَلَمَّا كَانَتْ الشِّرْكَةُ سِتَّةَ أَقْسَامٍ: مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ وَجَبْرٌ وَعَمَلٌ وَذِمَمٌ وَمُضَارَبَةٌ وَهُوَ الْقِرَاضُ ذَكَرَهَا مُرَتَّبَةً هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ أَفْرَدَ الْأَخِيرَ بِبَابٍ سَيَأْتِي فَقَالَ (ثُمَّ إنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ) بِأَنْ جَعَلَهُ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ غَيْبَةً وَحُضُورًا فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَكِرَاءٍ وَاكْتِرَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَحْتَاجُ لَهُ التِّجَارَةُ (وَإِنْ بِنَوْعٍ) كَالرَّقِيقِ (فَمُفَاوَضَةٌ) أَيْ فَهِيَ مُفَاوَضَةٌ أَيْ شِرْكَةُ مُفَاوَضَةٍ أَيْ تُسَمَّى بِذَلِكَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنْ تَفَاوُضِ الرَّجُلَانِ فِي الْحَدِيثِ إذَا شَرَعَا فِيهِ وَالْأُولَى عَامَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِنَوْعٍ وَالثَّانِيَةُ خَاصَّةٌ بِالنَّوْعِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِطْلَاقِ فِيهِ وَقِيلَ هِيَ مِنْ الْعِنَانِ (وَلَا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا) أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِشَيْءٍ) مِنْ الْمَالِ غَيْرِ مَالِ الشِّرْكَةِ يَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلَا عَلَى السُّكُوتِ وَيَمْتَنِعَا مِنْ التَّجْرِ بِالْحَاضِرِ حَتَّى يَقْبِضَ الْغَائِبُ
(قَوْلُهُ لِاجْتِمَاعِ الصَّرْفِ وَالشِّرْكَةِ) فَالشِّرْكَةُ مِنْ جِهَةِ بَيْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضَ مَالِهِ بِبَعْضِ مَالِ الْآخَرِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ذَهَبًا وَالْآخَرِ فِضَّةً وَالصَّرْفُ مِنْ جِهَةِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا مَالَهُ بِمَالِ آخَرَ مَنْظُورًا فِيهِ لِخُصُوصِ كَوْنِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ذَهَبًا وَالْآخَرِ فِضَّةً فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ هُوَ الشِّرْكَةُ وَالصَّرْفُ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ فَبِاعْتِبَارِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بَعْضَ مَالِهِ بِبَعْضِ مَالِ الْآخَرِ شِرْكَةً وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمَبِيعِ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَالْعَكْسُ صَرْفٌ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: احْتِجَاجُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْمَنْعِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُنْضَمَّةَ لِلشِّرْكَةِ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعُقُودُ خَارِجَةً عَنْ الشِّرْكَةِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ خَارِجَةٍ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً لَهَا وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَعْنَى هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِي الْعُقُودِ الْمُغَايِرَةِ لِلصَّرْفِ وَأَمَّا الصَّرْفُ مَتَى انْضَمَّ لِلشِّرْكَةِ اقْتَضَى مَعَهَا سَوَاءٌ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا أَوْ لَا لِأَجْلِ ضِيقِ الصَّرْفِ وَشِدَّتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اتَّفَقَا نَوْعًا وَصِفَةً وَقَدْرًا) رُدَّ بِلَوْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَوَازِهَا حِينَئِذٍ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لِعَبْدِ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الشِّرْكَةَ بِالنَّقْدِ وَالطَّعَامِ وَالْعَرْضِ وَالطَّعَامِ وَلَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ لَمُنِعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ وَأَصْلُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَجَازُوا الشِّرْكَةَ بِالنَّقْدِ وَالطَّعَامِ وَالْعَرْضِ وَالطَّعَامُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ النَّقْدِ وَالْعَرْضُ عَلَى الطَّعَامِ وَإِذَا كَانَتْ الشِّرْكَةُ بِطَعَامَيْنِ فَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ آخَرَ غَيْرَ الطَّعَامِ يَغْلِبُ جَانِبُهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بَاعَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِيمَا إذَا حَصَلَ خَلْطُ الطَّعَامَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَمِرُّ طَعَامُ كُلٍّ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مُشْتَرِيهِ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ
(قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ أَطْلَقَا إلَخْ) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ انْعِقَادِ الشِّرْكَةِ بِقَوْلِهِمْ اشْتَرَكْنَا مَثَلًا إنْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ التَّصَرُّفَ فِي غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْكِرَاءِ وَالِاكْتِرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ بَلْ وَإِنْ كَانَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ فَتِلْكَ الشِّرْكَةُ تُسَمَّى شِرْكَةَ مُفَاوَضَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ إمَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ وَأَمَّا لَوْ قَالَا اشْتَرَكْنَا مُقْتَصِرِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَفِي كَوْنِ ذَلِكَ شِرْكَةُ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عِنَانٍ يَحْتَاجُ كُلُّ وَاحِدٍ لِمُرَاجَعَةِ صَاحِبِهِ خِلَافٌ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا شِرْكَةُ عِنَانٍ.
(قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْوَاوِ) أَيْ لَا غَيْرَ وَمَا ذَكَرَهُ عبق مِنْ جَوَازِ الْكَسْرِ فَقَدْ رَدَّهُ بْن بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ وَالْمَشَارِقِ إلَّا الْفَتْحُ اهـ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَسْرُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَصْدَرِ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ
نَعَمْ يَصِحُّ الْكَسْرُ بِتَكَلُّفِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ لِلشِّرْكَةِ عَلَى حَدِّ جَدِّ جَدِّهِ كَمَا قَالَهُ فِي المج (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى) أَيْ وَهِيَ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ الَّتِي أَطْلَقَ فِيهَا كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ) أَيْ إطْلَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ) أَيْ مَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ الَّتِي أَطْلَقَ فِيهَا كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ التَّصَرُّفَ فِي نَوْعٍ (قَوْلُهُ قِيلَ هِيَ) أَيْ الثَّانِيَةُ (قَوْلُهُ بِالْإِطْلَاقِ فِيهِ) أَيْ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي فَسَادِهَا مُطْلَقًا أَيْ تَسَاوَيَا فِي عَمَلِ الشِّرْكَةِ أَوْ لَا