[باب في بيان الشركة وأحكامها]

[دَرْسٌ] (بَابٌ فِي بَيَانِ الشِّرْكَةِ وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا) وَهِيَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الشِّينِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ، وَهِيَ لُغَةً: الِاخْتِلَاطُ، وَشَرْعًا: قَالَ الْمُصَنِّفُ (الشِّرْكَةُ إذْنٌ) مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ (فِي التَّصَرُّفِ) أَيْ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالٍ (لَهُمَا) أَيْ لِلْمَأْذُونَيْنِ مَعًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَرُّفِ فَقَوْلُهُ إذَنْ فِي التَّصَرُّفِ كَالْجِنْسِ يَشْمَلُ الْوَكَالَةَ وَالْقِرَاضَ وَقَوْلُهُ لَهُمَا كَالْفَصْلِ مُخْرِجٌ لِلْوَكَالَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يُوَكِّلَ صَاحِبَهُ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَتَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إذْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ بَلْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ لِلْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ. وَقَوْلُهُ (مَعَ أَنْفُسِهِمَا) فَصْلٌ ثَانٍ أَخْرَجَ بِهِ الْقِرَاضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِلْعَامِلِ فَقَطْ دُونَ رَبِّ الْمَالِ (إنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ) أَيْ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لَهُمَا بِأَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَيَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ وَأَشَارَ لِلصِّيغَةِ بِقَوْلِهِ (وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ) عَلَيْهَا (عُرْفًا) (كَاشْتِرَاكِنَا) أَيْ يَقُولُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ يَقُولُهُ أَحَدُهُمَا وَيَسْكُتُ الْآخَرُ رَاضِيًا بِهِ أَوْ شَارِكْنِي وَيَرْضَى الْآخَرُ وَلَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْمُفَاصَلَةَ قَبْلَ الْخَلْطِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُمْتَنِعِ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ بَعْدَ الْعَمَلِ (بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ أَيْ بِذَهَبٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَذَهَبٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ وَرِقٍ كَذَلِكَ لَا بِذَهَبٍ مِنْ جَانِبٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الشِّرْكَةِ وَأَحْكَامِهَا]

بَابُ الشِّرْكَةِ) (قَوْلُهُ وَفَتْحُهَا) أَيْ فَهُوَ بِوَزْنِ نَعْمَةٍ وَرَحْمَةٍ وَنَبْقَةٍ (قَوْلُهُ وَالْأُولَى) وَهِيَ كَسْرُ الشِّينِ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ إذْنٌ إلَخْ) أَيْ أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ لِلْآذِنِ وَلِنَفْسِهِ فِي مَالٍ لَا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْآذِنِ وَحْدَهُ وَإِلَّا كَانَ وَكَالَةً وَالْمُرَادُ إذْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَلَوْ فِي ثَانٍ حَالٍّ أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُ التَّعْرِيفُ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ وَشِرْكَةَ الذِّمَمِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَرُّفِ) أَيْ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِإِذْنٍ بَلْ مُتَعَلِّقُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِلْآخَرِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ لَهُمَا مُتَعَلِّقًا بِإِذْنٍ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ وَلِصِدْقِ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ بِقَوْلِ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي وَقَوْلُ الْآخَرِ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ شِرْكَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَازِمٌ لِلشِّرْكَةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَلْزُومِ (قَوْلُهُ يَشْمَلُ الْوَكَالَةَ وَالْقِرَاضَ) أَيْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ مَعَ أَنْفُسِهِمَا) أَيْ مَعَ بَقَاءِ تَصَرُّفِ أَنْفُسِهِمَا أَيْ الْآذِنُ وَالْمَأْذُونُ وَهُمَا الْمُرَادُ بِالْمَأْذُونَيْنِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ سَابِقًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آذِنٌ وَمَأْذُونٌ بِاعْتِبَارٍ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ جَعْلُ الضَّمِيرِ فِي لَهُمَا وَفِي أَنْفُسِهِمَا لِلْمَأْذُونَيْنِ وَلِلْآذِنَيْنِ وَلِلْآذِنِ وَالْمَأْذُونِ لِمَا عَلِمْت مِنْ اتِّحَادِهِمَا بِالذَّاتِ وَاخْتِلَافِهِمَا إنَّمَا هُوَ بِالِاعْتِبَارِ فَقَطْ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَعَيُّنِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْآذِنِ وَالْمَأْذُونِ وَعَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِهِ لِلْآذِنِينَ أَوْ الْمَأْذُونِينَ إذْ لَوْ كَانَ رَاجِعًا لِلْمَأْذُونِينَ لَاقْتَضَى أَنَّ كُلًّا لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْآذِنِينَ لَاقْتَضَى تَصَرُّفَ كُلَّ وَاحِدٍ لِشَرِيكِهِ فَقَطْ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَكَالَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ) أَيْ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَأَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَيَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ لِلشِّرْكَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَمُوَكِّلٌ لِصَاحِبِهِ فَمَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ وَمَنْ لَا فَلَا.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَصِحُّ شِرْكَةُ الرَّقِيقِ وَلَا الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ وَلَا السَّفِيهِ وَالْمُرَادُ الْحُرُّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّ شَرِكَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ شَارَكَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَوْ اشْتَرَكَ عَبْدٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَعَ حُرٍّ ثُمَّ خَسِرَ الْمَالَ أَوْ تَلِفَ رَجَعَ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ بِرَأْسِ الْمَالِ إنْ اسْتَقَلَّ الْحُرُّ بِالْعَمَلِ لَا إنْ عَمِلَا مَعًا فَإِنْ عَمِلَ الْعَبْدُ وَحْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْحُرِّ إلَّا أَنْ يَغُرَّ الْعَبْدَ شَرِيكُهُ الْحُرُّ بِحُرِّيَّتِهِ فَتَكُونُ الْخَسَارَةُ فِي مَالِ الْحُرِّ جِنَايَةً فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الَّذِي قَدْ عَمِلَ فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ عَمِلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي ح وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَكَ صَبِيٌّ مَعَ بَالِغٍ أَوْ مَعَ صَبِيٍّ أَوْ اشْتَرَكَ سَفِيهٌ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ رَشِيدٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ قَوْلُهُ فَيَكُونُ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اُنْظُرْ عبق.

(قَوْلُهُ وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا عُرْفًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوْ فِعْلًا كَخَلْطِ الْمَالَيْنِ وَالتَّجْرِ فِيهِمَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ عُرْفًا سَوَاءٌ كَانَ قَوْلَانِ فَقَطْ أَوْ فِعْلًا فَقَطْ وَأَوْلَى إذَا اجْتَمَعَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ الشِّرْكَةُ عَقْدٌ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِخَلْطِ الْمَالَيْنِ انْضَمَّ لِذَلِكَ قَوْلٌ أَمْ لَا، ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ إلَخْ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الشِّرْكَةُ شِرْكَةَ زَرْعٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالْآخَرُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَالْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ لِزِيَادَةٍ) أَيْ كَخَلْطِ الْمَالَيْنِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ) أَيْ حَتَّى يَظْهَرَ الْمَالُ بَعْدَ بَيْعِ السِّلَعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015