الْبَيْعُ إنْ تَسَوَّقَ بِهَا أَيْ أَوْقَفَهَا فِي سُوقِهَا (فَقَالَ) لَهُ شَخْصٌ (بِكَمْ) تَبِيعُهَا (فَقَالَ) لَهُ (بِمِائَةٍ) مَثَلًا (فَقَالَ) الشَّخْصُ (أَخَذْتُهَا) بِهَا فَقَالَ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ قَالَ الْحَطَّابُ مَفْهُومُ تَسَوَّقَ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ فَحُكْمُ مَا تَسَوَّقَ وَمَا لَمْ يَتَسَوَّقْ سَوَاءٌ وَهُوَ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ أَوْ عَلَى إرَادَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ كَمَا إذَا حَصَلَ تَمَاكُسٌ وَتَرَدُّدٌ بَيْنَهُمَا أَوْ سَكَتَ مُدَّةً ثُمَّ قَالَ: لَا أَرْضَى فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ.

وَأَشَارَ لِلْعَاقِدِ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ بِذِكْرِ شَرْطَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَشَرْطُ) صِحَّة عَقْدِ (عَاقِدِهِ) أَيْ الْبَيْعِ (تَمْيِيزٌ) بِأَنْ يَكُونَ إذَا كَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنُ الْجَوَابِ عَنْهُ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَفْهُومِ قَوْلَهُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ (بِسُكْرٍ) حَرَامٌ أَيْ بِسَبَبِهِ (فَتَرَدُّدٌ) أَيْ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا وطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ التَّرَدُّدِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ إذْ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا الْمَشْرُوبَ غَيْرُ مُسْكِرٍ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَالْمُرَادُ بِالْمُسْكِرِ هُنَا مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ فَيَشْمَلُ الْمُرْقِدَ وَالْمُخَدِّرَ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي عِنْدَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ قَطْعًا لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعُ إنْ تَسَوَّقَ بِهَا إلَخْ) هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ عَدَمُ الرِّضَا، وَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَفَصَّلَ الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ: إنْ أَشْبَهَ مَا سَمَّاهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِلسِّلْعَةِ لَزِمَ الْبَيْعُ وَإِلَّا حَلَفَ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ جَارِيَةٌ فِي صُورَةِ الْمَنْطُوقِ وَالْمُعْتَمَدُ أَوَّلُهَا وَهُوَ الْحَلِفُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ وَإِلَّا لَزِمَ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْمَفْهُومِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَوْقُوفَةٍ لِلسَّوْمِ اُنْظُرْ بْن وَعَلَى هَذَا فَيُزَادُ فِي الْمَفْهُومِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ خش.

(قَوْلُهُ: مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ) أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَالْعَلَّامَةُ بْن خِلَافًا لخش حَيْثُ ضَعَّفَهُ وَاعْتَمَدَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَأَنَّ غَيْرَ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّوْمِ يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهَا أَنَّهُ لَاعِبٌ بِلَا يَمِينٍ (قَوْلُهُ: إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) إنَّمَا عَمِلَ بِالْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ تَنْتَفِي بِالْقَرِينَةِ كَمَا قَالَهُ بْن (قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ تَمَاكُسٌ وَتَرَدُّدٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِينَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَا فَقَالَ لَهُ بِسِتِّينَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَا فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي بِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَخَذْتُهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَقُمْ إلَخْ) هَذِهِ الْحَالَةُ مَحْمَلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(تَنْبِيهٌ) لَا يَضُرُّ فِي الْبَيْعِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَا عَنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ عُرْفًا وَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُزَايَدَةِ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ انْفَضَّ الْمَجْلِسُ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِعَدَمِ إلْزَامِهِ، كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا زَادَ فِي السِّلْعَةِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ صَاحِبُهَا أَوْ انْفَضَّ الْمَجْلِسُ، فَإِنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ بِهَا وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ بِيَدِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا كَانَ لِرَبِّهَا إلْزَامُهُ بِهَا

(قَوْلُهُ: وَشَرَطَ صِحَّةَ عَقْدِ عَاقِدِهِ) إنَّمَا قُدِّرَ الْمُضَافُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الْعَقْدُ لَا الْعَاقِدُ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ فَإِنَّ الَّذِي يُقَابِلُ اللُّزُومَ الصِّحَّةُ وَقَدْ يُقَالُ: الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْعَقْدِ لَا فِي صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ شَرْطُ وُجُودِ عَقْدِ عَاقِدِهِ؛ لِأَنَّ فَقْدَ التَّمْيِيزِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَا تُوجَدُ حَقِيقَتُهُ لِفَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لَا صِحَّتُهُ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَتِهِ تَأَمَّلْ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ) خِلَافًا لِمَا فِي طفى مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَجَعَلَ التَّمْيِيزَ شَرْطًا فِي لُزُومِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ يَكُونُ لِأُمُورٍ مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ أَوْ غَيْرِ عَالِمٍ بِالْبَيْعِ، وَقَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ بَيْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَقَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَاسِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِتَوَقُّفِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ عَلَى الرِّضَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا مُعْتَبَرٍ وَهُوَ مَفْقُودٌ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَفْهُومِ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَمْيِيزَةِ بِسُكْرٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَفِي عَدَمِ انْعِقَادِ بَيْعِهِ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ: وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ) أَيْ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: إذْ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا) أَيْ يُوهِمُ أَنَّ أَحَدَ التَّرَدُّدَيْنِ قَائِلٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ قَائِلٌ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَ نَشْأَةٍ وَطَرِبٍ أَوْ لَا، غَيَّبَ الْحَوَاسَّ أَيْضًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ) أَيْ فَلَهُ إذَا أَفَاقَ أَنْ يَرُدَّهُ وَأَنْ يَمْضِيَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي إقْرَارَتِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الْعُقُودِ) أَيْ وَهِيَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَمَا بَعْدَهُ فَهِيَ إخْرَاجَاتٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015