وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَنَّهَا رَأَتْهُ حَضَرَ الصَّفَّ فَإِنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ الْجَيْشِ، فَقَطْ فَتَكُونُ زَوْجَتُهُ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ (وَهَلْ يُتَلَوَّمُ) أَيْ يُنْتَظَرُ مُدَّةً تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ (وَيُجْتَهَدُ) فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ تَعْتَدُّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ أَصْلًا (تَفْسِيرَانِ) لِقَوْلِ مَالِكٍ تَعْتَدُّ يَوْمَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَبَعْضُهُمْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْتَقْصَى أَمْرُهُ وَيُسْتَبْرَأُ خَبَرُهُ (وَوُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّلَوُّمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (كَالْمُنْتَجَعِ) أَيْ الْمُرْتَحَلِ (لِبَلَدِ الطَّاعُونِ أَوْ فِي زَمَنِهِ) فَفُقِدَ أَوْ فُقِدَ فِي بَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِجَاعٍ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ بَعْدَ ذَهَابِ الطَّاعُونِ، وَوُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْمَفْقُودِ.
(وَ) اعْتَدَّتْ (فِي الْفَقْدِ) لِلزَّوْجِ فِي الْقِتَالِ الْوَاقِعِ (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بَعْدَ سَنَةٍ) كَائِنَةٍ (بَعْدَ النَّظَرِ) مِنْ السُّلْطَانِ فِي أَمْرِهِ وَالتَّفْتِيشِ عَنْهُ وَوُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الْمَفَاقِيدِ الْأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِسُكْنَى الْمُعْتَدَّاتِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِنَّ، فَقَالَ: (وَلِلْمُعْتَدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ) بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا السُّكْنَى وُجُوبًا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ مَاتَ اسْتَمَرَّتْ فِي الْبَائِنِ وَكَذَا فِي الرَّجْعِيِّ عَلَى تَفْصِيلٍ كَمَا يَأْتِي.
(أَوْ) (الْمَحْبُوسَةِ) أَيْ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ نِكَاحٍ (بِسَبَبِهِ) بِغَيْرِ طَلَاقٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَعَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِهِ وَإِنَّمَا تَعَقَّبَهُ اللَّقَانِيُّ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَتَحْسِبُهَا مِنْ يَوْمِ الِالْتِقَاءِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ هِيَ التَّحْقِيقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الِالْتِقَاءِ وَالِانْفِصَالِ أَيَّامٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا مَاتَ يَوْمَ الِانْفِصَالِ فَلَوْ حَسِبَتْ مِنْ الِالْتِقَاءِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ غَيْرَ كَامِلَةٍ فَتَحْسِبُ عِدَّتَهَا مِنْ يَوْمِ الِانْفِصَالِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْعِدَّةِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إلْغَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ: لَوْ كَانَ الْقِتَالُ أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا فَمِنْ آخِرِ يَوْمٍ اهـ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ مِنْ يَوْمِ الْمُعْتَرَكِ وَكَذَا مِنْ يَوْمِ الِالْتِقَاءِ يَحْتَمِلُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمُعْتَرَكِ أَوْ انْتِهَائِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى انْتِهَائِهِ، وَكَذَلِكَ الِالْتِقَاءُ يُحْمَلُ عَلَى انْتِهَائِهِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْعِدَّةِ فَمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ حَسَنٌ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ) إلَّا أَنَّ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى مَا لِلْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ كَذَا قَرَّرَ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ مَا لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ الْمُرَادُ مِنْ يَوْمِ آخِرِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَهُوَ يَوْمُ الِانْفِصَالِ (قَوْلُهُ: وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ) فَإِذَا كَانَتْ الْمَعْرَكَةُ بَعِيدَةً مِنْ بَلَدِهِ يُوَسِّعُ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً يُقَلِّلُ فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ تَفْسِيرَانِ) وَلَمْ يَقُلْ: تَأْوِيلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: فَبَعْضُهُمْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ) أَيْ فَيَكُونُ خِلَافًا لِقَوْلِ أَصْبَغَ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ) أَيْ حَمَلَهُ عَلَى الْوِفَاقِ لَهُ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي زَمَنِهِ) أَيْ أَوْ الْمُرْتَحِلُ فِي زَمَنِهِ وَلَوْ لِبَلَدٍ لَا طَاعُونَ فِيهَا (قَوْلُهُ: فِي بَلَدِهِ) أَيْ الطَّاعُونِ
(قَوْلُهُ: بَعْدَ سَنَةٍ كَائِنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَسْرِهِ عِنْدَ الْعَدُوِّ وَاعْتَرَضَهُ طفي بِأَنَّ الَّذِي فِي عِبَارَةِ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَجَمِيعِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ سِوَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ السَّنَةَ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ لَا مِنْ بَعْدِ النَّظَرِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَمْ يَتَنَبَّهْ ح وَلَا غَيْرُهُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَالْكَمَالُ لِلَّهِ
قُلْت مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ نَقَلَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ، وَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الْأَنْدَلُسِ قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَرْبُ السُّلْطَانِ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَفْقُودِ لَا مِنْ يَوْمِ قِيَامِ الزَّوْجَةِ عِنْدَهُ عَلَى مَا اُسْتُحْسِنَ مِنْ الْخِلَافِ، وَقَالَ ابْنُ عَاصِمٍ أَيْضًا عَقِبَ مَا مَرَّ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلِ أَشْهَبَ: إنَّهُ يَتَلَوَّمُ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ؛ لِأَنَّ مَحْمَلَ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ يَوْمِ الْيَأْسِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الرَّفْعِ فَعَبَّرَ بِالرَّفْعِ عَنْهُ تَجَوُّزًا اهـ فَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ عَاصِمٍ عِبَارَةَ ابْنِ رُشْدٍ وَرَدَّهَا لِمَا بِهِ الْقَضَاءُ
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الْمَفَاقِيدِ الْأَرْبَعَةِ) أَيْ الْمَفْقُودِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ أَرْبَعَ سِنِينَ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَالْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ وَالْمَفْقُودُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ كَالْأَسِيرِ وَحُكْمُهُمَا أَنْ تَبْقَى زَوْجَتُهُمَا لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ ثُمَّ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ وَالْمَفْقُودُ فِي الْفِتَنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُكْمُهُ أَنْ تَعْتَدَّ زَوْجَتُهُ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَالْمَفْقُودُ فِي الْفِتَنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَحُكْمُهُ أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً بَعْدَ النَّظَرِ وَالْكَشْفِ عَنْهُ ثُمَّ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ هَذَا حَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ فِي الْأَقْسَامِ كُلِّهَا وَلَا لِإِذْنِ الْقَاضِي لِلزَّوْجَةِ فِي الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: وُجُوبًا عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ إذَا كَانَ حَيًّا (قَوْلُهُ: اسْتَمَرَّتْ فِي الْبَائِنِ) أَيْ مُطْلَقًا كَانَ الْمَسْكَنُ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَا نَقَدَ كِرَاءَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا، وَالْأُجْرَةُ حِينَئِذٍ رَأْسُ الْمَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَفْصِيلٍ)