. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فأشْبَهَ ما لو قَدَّمَ إليه سِكِّينًا فطَعَنَ بها نَفْسَه، ولأَنَّ أنَسَ بنَ مالكٍ روَى أنَّ يَهُودِيةً أتَتِ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بشاةٍ مَسْمُومَةٍ، فأكَلَ منها النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبِشْرُ ابنُ البَراءِ، فلم يَقْتُلْها النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (?). قال: وهل تَجِبُ الدِّيَةُ؟ فيه قَوْلان. قُلْنا: حديثُ اليهُودِيةِ حُجَّة لَنا؛ فإنَّ أبا سَلَمَةَ قال فيه: فمات بِشْرٌ، فأمَرَ بها النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقُتِلَتْ. أخْرَجَه أبو داودَ (?). ولأَنَّ هذا يَقْتُلُ غالِبًا، ويُتَّخَذُ طَرِيقًا إلى القَتْلِ كثيرًا، فأوْجَبَ القِصاصَ، كما لو أكْرَهَه على شُرْبِه. فأمَّا حديثُ أنَسٍ، فلم يَذْكُرْ فيه أنَّ أحدًا مات منه، ولا يجبُ القِصاصُ إلَّا أن يُقْتَلَ به، ويجوزُ أن يكونَ النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَقْتُلْها قبلَ أن يموتَ بِشْرٌ، فلَمّا مات، أرْسَلَ إليها النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاعْتَرَفَتْ، فقَتَلَها، فنقَل أَنَسٌ صَدْرَ القِصَّةِ دُونَ آخِرِها. ويَتَعَيَّنُ حَمْلُه عليه، جمعًا بينَ الخَبَرَيْن، ويجوزُ أن يَتْرُكَ قَتْلَها؛ لكونِها ما قَصَدَتْ قَتْلَ بِشْرٍ، إنَّما قَصَدَتْ قَتْلَ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاخْتَلَّ العَمدُ بالنِّسْبَةِ إلى بِشْر. وفارَقَ تَقْدِيمَ السِّكِّينِ؛ فإنَّها لا تُقَدَّمُ إلى الإنسانِ ليَقْتُلَ بها نَفْسَه، إنَّما تُقَدَّمُ إليه ليَنْتَفِعَ بها، وهو عالِمٌ بمَضَرَّتِها ونَفْعِها (?)، فأشْبَهَ ما لو قُدِّمَ إليه السُّمُّ