وهذا ما تفتقده، وتفتقر إليه التشريعات الوضعية؛ لأن هذه التشريعات إن وجدت فيها قواعد موضوعية تحكم السلوك، إلا أنها قواعد غير ملزمة أو ثابته، إذا أنها نتاج تناقض مذهبي، وفكري للمدارس التشريعية الوضعية، مع أن الاستقرار القانوني مطلب ملح من مطالب وأهداف القانون، بل ويعلو على مبدأ تحقيق العدالة ذاتها عند الوضعيين أنفسهم1.

4- عقوبات التشريع الجنائي الإسلامي، ذات الصفة الحدية عقوبات زاجرة قوية في غير ظلم، رادعة دون جور، وقد أحاطها الشارع الحكيم بمعايير وضوابط، وحد بجرائمها شكليه خاصة، ورسم لإثباتها صورة واضحة وجعل له من الشروط المفصلة ما يقض بوصوله حد اليقين، فإذا لم تكتمل صورة الجريمة، كما حددها المشروع، وبين دقائقها لم يترتب عليها ما وضعه الشارع من عقوبة محددة، وكذا إذا انثلم إثباتها، فإذا تم ذلك كله ثم ظهرت شبهة من الشبهات، خالطت أي مرحلة من مراحل الجريمة، أو جزئية من جزئياتها، أو دليل الإثبات، فإن المشرع يدرأ العقوبة بسبب وجود تلك الشبهة، سواء تترتب على ذلك درء جنس العقوبة، أو نوعها فقط، حتى المخالفين لإعمال هذا المبدأ في ظاهره.

5- لا خلاف إذا على أن اليقين لا يزال بالشك، ومن أن الأصل براءة الذمة، وعليه فلا بد للحكم بالعقوبة الحدية من تيقن لزومها، تيقنًا لا يعتريه أدنى شك.

والقوانين الوضعية قد نصت في دساتيرها على ذلك أيضًا، وقررت قوانين الإجراءات الجنائية فيها أن الشك يسر لصالح المتهم، وأن الأصل افتراض البراءة، وقضت محكمة النقض المصرية بأن الأحكام أعملوه في جوهره ومؤداه، وهذا ما وضح من مناقشة ابن حزم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015