وما يروى من منعه أو ضربه على كثرة التحديث فهذا لا يثبت، وخصوم أبو هريرة القدامى أهل للتزيد عليه، وخصومه المعاصرون أشد إغراماً في الحط من قدره من اسلافهم الأقدمين.

ونضيف إلى ما تقدم أن لا غرابة في حفظ أبي هريرة لخمسة آلاف حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الرسول أوتى جوامع الكلم، وأحاديثه قصيرة المبنى غزيرة المعنى. فقد يكون الحديث جملة واحدة، مثل "لاتغضب" أو جملتين مثل: "اعقلها وتوكل". وبعضها متوسط الطول، وقليلها طويل، ومحفوظ أبي هريرة جمع بين المستويات الثلاثة إلى ما في الحديث من نرو النبوة وبلاغة الكلام التي تجعل حفظه ميسوراً.

* أما اتهام أبي هريرة بالصرع وخفة العقل، فهذا رجم بالغيب، ووسوسة شيطان، ليس لها من الواقع سند، وإن وضعوا الأرض موضع السماء، فهل جولد زيهر ومنكرو المعاصرون عاصروا الرجل، فرأوه يصرع ويهذى ويبهلل كما يبهللون هم الآن؟

هل حملوه في نوبات الصرع وذهبوا به إلى مصحة، وأوقعوا عليه الكشف الطبي وفحصوه، فوجدوه مصاباً بالصرع وخفة العقل؟

إن المعروف أن أبا هريرة كان كثيراً ما يتلوى من الجوع، ويصيبه دوار طارئ - كما تحدث هو عن نفسه - فإذا طعم عاد إليه وعيه وشدة توقده الذهني.

استسمن المستشرقون ورم هذه الرواية فكبروها وهولوا من شأنها، وجعلوها صرعاً قاتلا، وخفة عقل مزرية.

ولا عجب، فقد رمى المبشرون وتلامذتهم المستشرقون من هو أعلى مقاما، وأجل شأناً من أبي هريرة بهذه العيوب؟

رموا بها النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، حين كان يأتيه الوحي من السماء فيقبل عليه بكل مشاعره وحواسه ليتلقى القرآن من لدن حكيم حميد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015