إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان ينطق بالسنة كما ينطق بالقرآن، فكان حرياً بهم - لو كانوا منصفين - أن يقولوا إن الضمير في {إِنْ هُوَ} شامل لما نطق به النبي كله، سواء كان نطفه قرآنا، أو سنة مراداً بها التبليغ عن الله - عز وجل -، ولما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - ينطق بالقرآن وبالسنة وقد سميت هذه السنة وحياكما تقدم، فرَّق كثير من العلماء بين وحي القرآن ووحي السنة:

* فوحي القرآن ما كان باللفظ والمعنى، ولا تجوز بحال روايته بالمعنى فحسب.

ووحي السنة ما كان بالمعنى، واللفظ من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز روايتها عنه - عليه الصلاة والسلام - بالمعنى عند الضرورة. نطقاً لا كتابة.

* أو أن القرآن وحي جَلِىُّ، والسنة وحي خَفِىٌ وكون السنة من عند الله، بأي كيفية أعلم الله بها رسوله، هذا المعنى يؤيده القرآن الحكيم مرة أخرى في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] .

فهل -بعد هذا - يكون لشبهة منكري السنة هذه رواج أو قبول، عند ذوي العقول.

ولا يقدح في كون السنة وحي معنى لا وحي الفاظ، أن بعض الأحاديث تختلف رواياتها بوضع لفظ مكان آخر أو بالزيادة والنقص، أو بالتقديم والتأخير. لأن هذه "الاختلافات" إن كانت بسبب اختلاف السماع عن رسول الله، فإن كل راو يروي ما سمع كما سمع من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمرة نطق بهذا، ومرة نطق بذاك حتى وإن ترتب على ذلك اختلاف المعنى.

وما أشبه هذه في السنة الصحيحة باختلاف القراءات في القرآن، والقراءات الصحيحة كلها قرآن. ولا تقدح هذه القراءات في مصدرية القرآن، وهو الوحي المتعبد بتلاوته.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015