فكيف بعد أن اختصه الله تعالى للنِّذَارةِ (?) واجتباه للوساطةِ بينه وبين خلقهِ وأجرى على لسانه كلامَهُ وضَمِنَ حفظه وحِفظَ ما يأتي به؟ » (?).

وقال الرازي: «إذا جوزنا إثبات اللغة بشعرٍ مَجهولٍ، منقول عن قائلٍ مجهولٍ، فلأن يَجوزَ إثباتُها بالقرآنِ العظيم كان أولى ... وكثيرًا أرى النحويين يتحيَّرونَ في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريره ببيتٍ مَجهولٍ فرحوا به، وأنا شديدُ التعجبِ منهم، فإِنَّهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المَجهولِ على وفقه دليلًا على صحته، فلأن يَجعلوا ورود القرآن به دليلًا على صحته كان أولى» (?)، ويقول أيضًا: «والعَجَبُ من هؤلاء النحاةِ أَنَّهم يستحسنون هذه اللغةَ بِهذين البيتين المَجهولين، ولا يستحسنون إثباتَها بقراءةِ حَمزةَ ومُجاهد، مع أَنَّهما كانا من أكابر علماء السلف في علم القرآن» (?) وهذه الأقوال من ابن حزم والرازي لا تدل على كراهية الاستشهاد بالشعر في التفسير واللغة، وغايتها التعجب من العناية بشعر العرب وشواهده، وإغفال شواهد القرآن والحديث.

فأَمّا قول الإمام أحمد فظاهرهُ المنعُ من ذلك، غير أَنَّ بعض أصحابه قد ذهب به إلى الكراهة، أو أَنَّ المقصود به مَن يصرفُ الآية عن ظاهرها إلى معانٍ صالحةٍ مُحتملةٍ يدلُّ عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالبًا إلا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافه. وكأَنَّ صنيعَ أبي عُبيدة مَعمر بن المُثَنَّى (?) في «مَجازِ القرآن» كان دافعًا لقول الإمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015