بالفاء وليس حالاً كالأولى، فكان الاستسقاء في الأولى مترتبًا على الخروج غير ممتزج به، والثاني كان الاستسقاء مخالطًا له ممتزجَا به، إلا على أن نيته في الخروج كانت الاستسقاء، والأولى وإن كانت كذلك إلا أن اللفظ لا يدل عليه.

ولقائل أن يقول: إن قوله: "فاستسقى" فعل ماض يدل على وقوع الاستسقاء منه، و"يستسقي" فعل مضارع ولا يدل على وقوع الاستسقاء فإنه قد لا يوجد ذلك لمانع فكان أولى بالذكر وأبلغ في المعنى؟.

والجواب: أنا قدمنا أن قوله: "خرج يستسقي" خرج مستسقيًا؛ لأنه في موضع الحال فاستسقى، فيطق عليه من حين إنشاء الخروج لأن فيه الاستسقاء متقدمة عليه وإنما الأعمال بالنيات، فهو من حين ابتدائه في الخروج كان مستسقيًا ولا يزال كذلك إلى أن يفرغ، ألا ترى أن الشارع في الصوم يسمى صائماً من حين ابتدائه في أول طلوع الفجر، وإن حدث له عارض فطره في أثناء النهار، وكذلك الشارع في الصلاة يُسمى مصليًا، ثم ما أردفه في كلا الروايتين من قوله: "وحوّل رداءه وصلى ركعتين" يزيل هذا الوهم المقتدر بأن الاستسقاء وجد منه وقوع، وثبت ما قلناه أولاً وبان وضوحه وصحَّ ترجيحه الله أعلم.

والذي ذهب إليه الشافعي -رضي الله عنه- أن صلاة الاستسقاء على ثلاثة أضرب: أكملها: أن يأمر الإِمام الناس ليصوموا ثلاثة أيام متتابعات، ويتوبوا ويخرجوا من المظالم في الأموال والأنفس والأعراض وأن يصطلحوا، ويأمرهم بالصدقة والصلاة وكثرة الدعاء فإن ذلك أقرب لإجابتهم، ثم يخرج الإِمام متبذلاً متخشعًا متواضعًا نطيف الثوب والبدن غير متطيب، ولا يكون عليه ثوب شهرة ولا زينة، ويأمر الصبيان وأكابر النساء بالخروج وكذلك العبيد والإماء، وفي إخراج البهائم تردد، ولا يخرج من خالف الإِسلام من الكتابيين وغيرهم، فإن خرجوا لأنفسهم فيكونون منفردين عن المسلمين ثم يصلي بهم الإِمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015