وقوله في جواب الاستفهام باستفهام مثله: فيه بلاغة مقرونة بفصاحة اللغة العربية واتساعًا (?)؛ وذلك أن قوله: "أليس قد نهى عن ذلك" استفهام يتضمن إنكارًا وتوبيخًا، وإنما جوابه أن يقول: بلى أولاً، لكنه عدل عن ذلك إلى استفهام مثله، ليقابل السؤال الجواب فيكون مقررًا لسؤاله مثبتًا لإنكاره وتوييخه، ويكون قد أتى بجواب حصل الفائدة، وتضمن من الفرض المطلوب من الاستفهام والإنكار، وهو الانقياد له والرجوع إلى ما نبهه عليه، وترك ما كان تعمده مما أوجب الاستفهام.
والإنكار في الجواب مقابله إنكار بإنكار لأنه لما جذبه فانقاد معه وتابعه، ما كان لسؤاله وإنكاره وجه؛ حيث تابعه على غرضه، فلما جمع له في الإنكار بين الفعل والقول بالجذب والتوبيخ؛ قابله باستفهام يتضمن إنكارًا وتوبيخًا كأنه قال: أي حاجة بك أن تنكر عليَّ بلسانك بعد ما انقدت لك؛ فإن انقيادى لك ومتابعتي يدلانك على اعترافي بالنهي.
وقد جاء في رواية أبي داود: بالجواب الحقيقي صريحًا فقال: بلى ثم أردفه بما قام بعذره عنده وإن كان ناسيًا للنهي فقال: قد ذكرت حين مددتني.
وفي رواية الشافعي: "أليس قد نهي" بفعل ما لم يسم فاعله، وما كان من هذا القبيل فإنما يضاف الحكم فيه إلى من له النهي وهو الشارع؛ والصحابة الذين نعمل بأقوالهم وهم أهل الحل والعقد؛ إلا أنه في هذا المقام خصيص بالشارع؛ لأن النهي إذا أطلق كان الأولى إضافته إليه.
وأما رواية أبي داود "ينهون" فلا يتهيأ إضافتها إلى الشارع خاصة، لأنها جاءت بلفظ الجمع وما كان من هذا النوع ففيه خلاف بين العلماء؛ هل هو حجة أم لا؟ وقد تقدم بيان ذلك مستقصى فيما مضى من الكتاب.