في ابن ملجم بعدما ضربه: أطعموه واسقوه وأحسنوا أساره، فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا.

الإسار -بكسر الهمزة-: الأسر.

وولي الدم: متولي أمره أي: أنا الذي أتولى أمر دمي.

والاستقادة: أخذ القود وهو القصاص.

ومثلت بالقتيل -مخففًا-: إذا جدعت أطرافه وشوهت خلقته، تقول: مثلت به أمثل، وأما مثلت -بالتشديد- فللتكثير.

وفي هذا الحديث من حسن الأدب وشرف الأخلاق؛ ما هو جدير أن يصدر عن مثل علي -كرم الله وجهه- فأولها: أنه قال: "أطعموه واسقوه" فقدم ما هو الأهم الذي به قوام الروح والحياة مثل: الطعام والشراب الذي لا غناء عنه، ثم ثنى بقوله: "وأحسنوا أساره" أي: ارفقوا به والطفوا له، ولا تضيقوا شده وحبسه، ولا تسيئوا الصنيع به، لعلمه بما عندهم من الحنق عليه والغيظ منه، ثم إنه علل هذا القول بقوله: "فإن عشت فأنا ولي دمي" أي: إني أرجو الحياة وفي روح وربما برأت، وحينئذ يكون أمر دمي إليَّ لا إليكم، فاوقع في أسماعهم وأثبت في أنفسهم أنه ممن يرجو الحياة، حتى لا يكونوا يبطشون بابن ملجم يعجلون عليه ويخالفونه في وصيته به ورفقهم بشأنه، لما غلب على ظنهم أن عليًا لا يبرأ من ضربته تلك. وهذا من ألطف أبواب الرحمة حتى إنه ربما بطشوا به وعجلوا عليه؛ بما كانوا عليه من الأنفس الأبية والنخوة العربية بطلب الأوتار ودرك الثأر، ولذلك قال لهم: "فإن عشت أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت" فجعل الأمر مترددًا بين العفو والقود ليكون جامعًا للحالين.

ثم قال لهم تسكينًا يريهم: "وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا به" أي: لا يحملكم الغيظ على المثلة به وتشويه خلقته، وهذا غاية في الرفق والإحسان؛ أن يوصيهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015