قد ذكرنا أن هذا الحديث ذكره الشافعي في كتاب "إبطال الاستحسان"، وحيث ذكرنا توجيه الحديث وأشرنا إلى الوهم الواقع لأبي العباس الأصم في تخريجه، فلنذكر طرفًا مما ذهب إليه الشافعي وغيره من العلماء في الاستحسان.

أما الشافعي فقد ذهب إلى إبطاله حتى أنه قال: من استحسن فقد شرع في الدين.

ويبطل الاستحسان إذا لم يترتب على قاعدة من قواعد الأدلة.

واشتهر عن أبي حنيفة القول بالاستحسان، ثم اختلف أصحابه فجاهر بعضهم بالخلاف فقال: هو ترك القياس والعمل بغير دليل شرعي إنما هو استحسان عقلا, وليس على المستحسن إقامة دليل تتوجه عليه القوادح، إنما هو تلويح يعن في العقل.

وقال بعضهم: الاستحسان إمالة فرع إلى أصل هو أدعى له.

ومعنى ذلك: أنه تخصيص العلة بمعنى يقتضيه بناء على قولهم بجواز تخصيص العلل.

وقال بعضهم: الاستحسان يراد به دليل ينقدح في نفس المجتهد، لا تساعده العبارة عنه، ولا يقدر على إبرازه وإظهاره. وهذا من أعجب الأقوال وأغربها.

وقال الكرخي -من متأخريهم- وغيره من أصحابهم ممن عجز عن نصرة الاستحسان المشتهر عن أبي حنيفة، قالوا: الاستحسان ليس هو من عبارة عن قول بغير دليل، بل هو بدليل وأخال أن يكون المستحسن غير مطالب بدليل، وليس في هذا خلاف ولا نقص ولا كلام مع من ذهب إليه، إنما الكلام مع من قال: لا يلزم في الاستحسان إقامة دليل. وذلك هو المنكر ألا ترى أن أبا حنيفة قال: إذا شهد أربعة بزنا على شخص لكن عينَّ كل واحد منهم زاوية من زوايا بيت، وقال: زنا فيها، فالقياس أن لا حد عليه، لكنا نستحسن حده، فيقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015