والضالة اسم فاعله في الأصل، ثم استعمل الضالة في الحيوان الضائع، وكثر إطلاق ذلك عليه حتى صار كالمقصور عليه، وحتى صار إطلاقه على غيره كالمجاز المنقول عن أصله، وحتى إذا أطلق أيضًا على المعاني فإنه قد جاء في الحديث: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن" (?) ثم جعلت اللقطة للذكر والأنثى سواء، فيقال في الجمل ضالة كما يقال في الناقة، وفي الكبش كما يقال في النعجة، وعلى هذا القياس تقول: أضللت بعيري إذا ضَلَّ عنك فلم تَدْرِ أين ذهب، وضللت بعيري إذا كان في موضع فلم تهتد إلى موضعه.
وقوله: "لك أو لأخيك أو للذئب" يعني أنها لك أي أنت تتنزل منزلة مالكها فكأنها لك، وهذا إذن منه في أخذها حيث جعلها له.
وقوله: "أو لأخيك" أي لأحدٍ آخر يراها كما رأيتها، فهي له كما هي لك.
وقوله: "أو للذئب" يعني أنك إن لم ترها أنت ولا غيرك، أو رأيتها فلم تأخذها؛ فإن الذئب يراها فيأخذها فيأكلها.
وفي قوله: "أو للذئب" حث له وتحريض على أخذها؛ لأنه إذا علم أنه إذا لم يأخذها بقيت للذئب كان ذلك أدعى له وأبعث على أخذها.
وقوله في ضالة الإبل: "مالك ولها" استفهام وردع وزجر وإنكار، وهذا من أفصح الأقوال وأبلغ الخطاب أن يستفهم عن شيء وهو أمر بفعله أو تركه مع إنكارٍ وزجرٍ، ثم عَلَّل إنكاره بأن معها سقاءها يريد جوفها؛ لأنها تأخذ الماء كثير السعة في جوفها فيبقى معها، فتحيا إلى أن ترد الماء مرة أخرى، والمراد "بحذائها" إحفاؤها أي أنها تقوى على قطع الأرض.
ثم بين ما أراد بقوله: "معها سقاؤها وحذاؤها" فقال: "ترد الماء وتأكل