قوله: "ما لي أراكم عنها معرضين" يعني عن سماع ذلك وقبوله، كأنهم كرهوا ما قال، ولذلك قال لهم: "والله لأرمين بها بين أكتافكم" روي بالتاء والنون، أما بالنون فهو جمع كنف وهو الجانب والناحية، يعني أنه يجعلها فيما بينهم، فكلما مر بأفنيتهم رأوها فلا يقدرون أن ينسوها.
وأما الثاني: فجمع كتف، يريد أنه يضعها على أكتافهم حتى يحملوا نقلها بين أكنافهم؛ وذلك لأنه رآهم قد استثقلوا ذلك وكرهوه، فإذا كانت بين أكتافهم لم يقدروا أن يعرضوا عنها.
والذي ذهب إليه الشافعي -رضي الله عنه-: أن الحائط إذا كان مشتركًا بين اثنين، فليس لأحد منهما أن يتصرف فيه إلا بإذن شريكه.
وبه قال أبو حنيفة، وحكاه أصحاب مالك عنه.
فأما ما ليس بمشترك فبطريق الأولى.
وقال الشافعي في القديم: له أن يضع على حائط جاره خشبة لا تضر بالحائط إذا كان محتاجًا إلى وضعها، بأن لا يكون ما يسقف عليه إلا حائط جاره أو المشترك بينهما.
وبه قال أحمد أخذًا بحديث أبي هريرة هذا، وأكثر العلماء [على] (?) خلافه؛ ذهبوا إلى أن هذا الحديث على طريق الاستحباب والمعروف.
وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-، أخبرنا مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه: "أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعى محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد بن مسلمة لا فقال عمر: لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع، تشرب به أولاً وآخرًا ولا