ولما كان هذا المنهج استقرائياً ظنياً اجتهادياً تجد - مثلاً- في الكتاب المتأخر من كتب المصطلح زيادة أبواب أو مصطلحات على ما تقدمه، من ذلك مثلاً: مصطلح "منكر": فالحاكم لم يبوبه في كتاب "معرفة علوم الحديث"؟ أو الخطيب البغدادي وإنما أول من عده نوعاً مستقلاً هو "ابن الصلاح".
ومصطلح "شاذ" تجد أن أبا عبد الله الحاكم قد بوب له باباً، وعده نوعاً من أنواع علوم الحديث، وعرّفه، في حين لا تجد ذلك عند من سبقه كالحافظ الرامهرمزي.
ثم من يتأمل في تعريفه يجده يختلف تماماً عن تعريفه عند علماء المصطلح من بعده.
ولا أريد أن ألج في تفصيلات هذه المسائل، وإنما قصدي: أنّ كتب مصطلح الحديث ُبنيت على الاستقراء الظني الاجتهادي، وليست هي قواعد متفق عليها يعد مخالفها شاذاً مخالفاً، إذ الاختلاف بين علماء المصطلح يدلل على ذلك.
يقول الشيخان الفاضلان الدكتور بشار عواد وشعيب الأرنؤوط: " إن القواعد التي وضعها مؤلفو كتب المصطلح اجتهادية، منها ما هو مبني على استقراء تام، ومنها - وهو في أغلبها - ما هو مبني على استقراء غير تام.
وكذلك الحكم على الرواة في الغالب، لم يبن على الاستقراء التام، فالأحكام الصادرة عن الأئمة النقاد تختلف باختلاف ثقافاتهم، وقدراتهم العلمية والذهنية، والمؤثرات التي أحاطت بهم، وبحسب ما يتراءى لهم من حال الراوي تبعاً لمعرفتهم بأحاديثه ونقدهم مروياته، وتبيّنهم فيه قوة العدالة أو الضبط أو الضعف فيهما، وقد رأينا منهم من ضعف محدثاً بسب غلط يسير وقع فيه لا وزن له بجانب العدد الكثير من الأحاديث الصحيحة التي رواها، ووجدنا منهم من يوثق محدثاً مع كثرة أوهامه وأخطائه، قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب " سبل السلام " في رسالته: " إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ": " قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الواحد، وفي الحديث الواحد، فيضعف هذا حديثاً، وهذا يصححه، ويرمي هذا رجلاً من الرواة بالجرح، وآخر يعدّله، وذلك مما يشعر أن التصحيح ونحوه من مسائل الاجتهاد التي اختلفت فيها الآراء " (?).