الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله، فإنه ذكر فيما روينا عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها، قال - يريد البيهقي -: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاُ بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفاً لنبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والله أعلم" (?).

وقد تكلمنا على هذه المسألة في صفحات من هذا البحث، وبينا الفرق الشاسع بين منهج علماء القرن الثالث وعلماء القرن الرابع من خلال الأمثلة التي سقناها في الفصل التطبيقي (?).

وعلى كل حال فالذي نقصده بالمتقدمين في هذه الأطروحة هم علماء الحديث في القرون الثلاثة الأولى، أي إلى رأس سنة (300) هجرية، وتشمل علماء الحديث الأئمة الأوائل: كالليث، والأوزاعي، والسفيانين، ومالك، وابن معين، وابن المديني، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي وابن خزيمة، وغيرهم. فهؤلاء جميعهم هم من طبقة القرن الثالث وعلمائها.

وقد أدخلنا معهم الإمام النسائي وابن خزيمة، وإن كانا قد توفيا مطلع القرن الرابع وذلك لأسباب:

1 - إنهما عاشا حياتهما العلمية في القرن الثالث وإن توفي النسائي سنة 303هـ، وابن خزيمة سنة 311 هـ.

2 - من المرجح الذي يكاد أن يكون مؤكداً أنهما ألفا كتابيهما في أواخر المئة الثالثة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015