يُذكر مصطلح: " المتقدمون " في غالبية كتب المصطلح وكتب الحديث عامة، ويختلف فهم المقصود من إطلاقهم هذا، فما المراد من هذا المصطلح؟
ذهب الإمام الذهبي في مقدمة "الميزان " إلى أنّ الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة (?)، وذكر في "التذكرة " أن بداية نقص علوم السنة، وبداية ظهور العلوم العقلية، وتناقص الاجتهاد، وظهور التقليد في آخر الطبقة التاسعة، فقال واصفاً تلك الطبقة:" فان المجلس الواحد في هذا الوقت كان يجتمع فيه أزيد من عشرة آلاف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن وبينهم نحو من مئتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا، فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا وتبدل الناس بطلبه يهزأ بهم أعداء الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء العصر في الغالب عاكفين على التقليد في الفروع من غير تحرير لها، ومكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها، فعم البلاء، واستحكمت الأهواء، ولاحت مبادئ رفع العلم وقبضه من الناس " (?). وكذلك فعل أبو عمرو بن المرابط ت (752) هـ في إطلاقه إلى أول القرن الرابع فقال: "قد دونت الأخبار، وما بقي للتجريح فائدة، بل انقطعت من رأس الأربع مئة " (?).
وأما ما ذهب إليه الدكتور حمزة المليباري إلى أنهم أهل الرواية، وهم أصحاب الفترة الممتدة من عصر الصحابة الكرام، وإلى نهاية القرن الخامس الهجري، وجعل الميزة أنهم يروون المرويات بالأسانيد؟ (?)،فهذه الميزة غير منضبطة بضابط مستقيم، فالرواية بالإسناد ممتدة إلى يوم الناس هذا، ثم البون شاسع في المنهجية، والأسلوب بين الإمام
البخاري ت (256) وبين أهل القرن الرابع كأبي عبد الله الحاكم ت (405) - مثلا -.
والذي أراه أن كلام الإمام الذهبي ومن تابعه أدق بكثير، فلا بد من اعتبار المدة