إما أن يفتدي وإما أن يقتل"، وأخرج البخاري "4498"، وغيره [النسائي "4781"، عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، الحديث ومن ذلك حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين [البخاري "6978"، مسلم "25/1676"] ، وغيرهما [أحمد "1/444"، أبو داود "4352"، الترمذي "1402"] : "لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله إلا بإحدى ثلاث"، الحديث وهو في صحيح مسلم من حديث عائشة وقد اتفق المسلمون جميعا على ثبوت القصاص في الأنفس ولم يخالف في ذلك أحد.
قوله: "أو ذي مفصل".
أقول: القصاص في الأطراف ثابت بلا خلاف وثابت في الجروح لقوله عزوجل: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ، ولما أخرجه أحمد "4/31"، وأبو داود "4496"، والنسائي وابن ماجه "2623"، عن أبي شريح الخزاعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه"، وفي إسناده سفيان بن أبي العوجاء السلمى قال أبو حاتم: ليس بالمشهور.
والحاصل أن القصاص ثابت في الجروح وهي تشمل ما كان ذا مفصل وما كان غير ذي مفصل إذا أمكن الوقوف على مقداره بحيث يمكن المقتص أن يقتص من الجاني بمثل الجناية الواقعة منه وسواء كانت الجناية موضحة أو دونها أو فوقها ولا وجه لقوله او موضحة.
وأما قوله: "مأمون التعدي" فالوجه في ذلك أن تلك الجراحة إذا كانت مظنة لحصول الموت بها كالجائفة والهاشمة فينبغي الانتظار حتى ينتهي حال الجنى عليه فإن انتهى إلى السلامة فليس له إلا الأرش لأن إقدامة على القصاص في مثل ذلك قد يفضي إلى زيادة على ما وقع من الجاني وهو الهلاك وقصاص إنما هو المساواة بدون زيادة وإذا انتهى حاله إلى الموت كان لوليه أن يقتل الجاني ويكون من القصاص في الأنفس لا في الجروح وقد أخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي من حديث جابر أن رجلا جرح فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح وأخرج أحمد "2/217"، والدارقطني أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال: "حتى تبرأ"، الحديث.
وأما قوله: "كالأنف والأذن" فقد دل على هذا القرآن حكاية عن بني إسرائيل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} وقرر ذلك شرعنا فكان شرعا لنا.
وأما قوله: "قيل: واللسان والذكر من الأصل" فلا وجه لهذا لأن في الاقتصاص فيهما مظنة الهلاك فيكون الكلام هنا كما قدمنا في الجائفة والهاشمة.
وأما قوله: "ولا قصاص فيما عدا ذلك" فقد عرفناك أنه لا وجه للتقييد بالموضحة بل