وأما قوله: "مصرحا مطلقا" فوجهه أن التصريح لا يقبل معه دعوى قصد غيره ولا يلتفت إلى ذلك.
وأما الكناية فلكونه يحصل بها من هتك العرض المعصوم ما يحصل بالتصريح إذا كان المراد منها مفهوم للسامع والاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ وهكذا التعريض لأنه يحصل به ما يحصل بالتصريح وأما تقييد ذلك بقوله أقر بقصد فلا يشترط هذا الإقرار إلا إذا كان التعريض يحتمل عند السامع القذف وغيره أما إذا كان لا يحتمل إلا القذف فلا يشترط الإقرر.
قوله: "ولم تكمل البينة عددا".
أقول: لا وجه لاعتبار مجرد العدد بل لا بد من قيام البينة عددا وصفة فإن اختلفت الصفة مع كمال العدد فوجودها كعدمها ويؤيد هذا حد الشهود على المغيرة مع كمال عددهم ونقص صفة شهادة الرابع وهو زياد بن أبيه فإنه لما لم يصرح بأنه شاهد الإيلاج بل قال رأيت استا ينبو ونفسا يعلو ورجلين من ورائه كأنهما رجلا حمار ولا أدري ما وراء ذلك أقيم الحد على الثلاثة الشهود الذين شهدوا قبله وهم إخوته نفيع ونافع وشبل.
قوله: "جلد القاذف ولو والدا" الخ.
أقول: هذا الحد بهذا العدد قد نطق به القرآن الكريم وأجمع عليه المسلمون أولهم وآخرهم ولم يفرقوا بين قذف الرجل والمرأة وأن قاذف الرجل يحد كما يحد قاذف المرأة ولم يسمع عن فرد من أفراد المسلمين أنه قال لا حد على قاذف الرجل إلا ما وقع من الجلال في شرحه لهذا الكتاب في هذا الموضع وقد كتبنا على بحثه رسالة مستقلة وتكلمنا على كل ما جاء به في هذا البحث ودفعناه بما لا يبقى بعده ريب لمرتاب وإن كان فساده أوضح من أن يحتاج إلى البيان لكنه ربما تشوش به ذهن من في عرفانه قصور وفي إدراكه بعض فتور.
وأما عدم سقوط الحد على الوالد إذا قذف ولده فلدخوله في عموم الأدلة وعدم ورود الدليل باستثنائه ولم يبح له الشرع استحلال ما حرمه الله من ولده.
وأما التنصيف للعبد والتخصيص للمكاتب فوجهه ما تقدم في حد الزنا.
قوله: "ويطلب للحي نفسه ولا يورث".
أقول: لا وجه لجعل الموت مسقطا للحد الذي قد ثبت على قاذف من مات بعد قذفه وقبل إقامة الحد عليه فإن كانت العلة في ذلك تجويز أن يعفو لو عاش فهكذا قذف الأموات فإنه يجوز أن يعفو الميت لو كان حيا وإن كانت العلة هي ما يلحق الحي بقذف الميت فهكذا ينبغي أن يقال في وارث من مات بعد القذف إذا لحقه غضاضة بالقذف ولا وجه للفرق بينهما.
وأما ترتيب المطالبين من قرابة الميت على هذا الترتيب الذي ذكرناه فإن كان وجهه أن الغضاضة تلحق الأقرب لحوقا زائدا على لحوقها ممن هو أبعد منه مع تسليم لحوق مطلق الغضاضة فلا وجه لهذا الترتيت بل إذا وقع الطلب من فرد من أفراد من يلحقه الغضاضة فإن كانت يسيرة وكان بعيدا عن الميت كان ذلك سائغا لأن دفع الغضاضة مطلقا مسوغ للطلب وإن كان سبب هذا