يقرع الأسماع من الأقوال الزائفة والشبهة الداحضة لأن المناط الشرعي وهو شهادة الأربعة باق على حاله ولم يزده الإقرار إلا تأكيدا فدعوى أنه قد بطل بالإقرار دون أربع ووجب الرجوع إلى مستند آخر وهو الإقرار ولما لم يكمل لم يجب الحد لا يناسب رواية ولا دراية ولا شرعا ولا عقلا بل حاصلها إسقاط حد من حدود الله من غير سبب ولا شبهة لا قوية ولا ضعيفة وقد عرفت ما جاء من الزجر على من أبطل حدود الله وأسقطها بعد وجوبها على ما قدمنا لك أن الحق ثبوت الحد بالإقرار مرة واحدة فلا يتم ما ذكره من قوله دون أربع.
قوله: "وبرجوعه عن الإقرار".
أقول: هذا الرجوع ليس بشبهة تدرأ بها حدود الله ولا يصح الاستدلال على سقوط الحد بالرجوع عن الإقرار بما أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه ورجال إسناده ثقات عن أبي هريرة أن ماعزا لما وجد مس الحجارة فر يشتد فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هلا تركتموه"، لأنه لا يدل على أنه قد سقط عنه الحد بذلك بل على أنه إذا ترك ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يأتي بشبهة مقبولة وهكذا لا يصح الاستدلال بحديث جابر عند أبي داود والنسائي أن ماعزا صرخ بهم فقال يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي فلم ينزعوا عنه فلما أخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فهلا تركتموه وجئتموني به"، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد رجوعه إليه الاستثبات إذا جاء بشبهة مقبولة على أنه قد روى في بعض طرق الحديث عند مسلم والنسائي وأبي وأبي داود واللفظ له من حديث أبي سعيد قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فولله ما أوسقناه ولا حفرنا له ولكنه قام لنا قال أبو كامل وهو الجحدري فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت.
فدل هذا على أنه إنما فر إلى المحل الذي توجد فيه الحجارة التي تسرع في القتل.
وهكذا لا يصح الاستدلال بما أخرجه أبو داود "4434"، عن بريدة قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما فإن رجمهما بعد الرابعة وعلى كل حال ليس هذا التحدث الواقع بينهم مما تقوم به الحجة لأنه مجرد حدس وبهذا تعرف أنه لا دليل يدل على الرجوع عن الإقرار يسقط به الحد وقد حصل المقتضي بالإقرار فلا يسقط إلا بدليل يدل على سقوطه دلالة بينة ظاهرة.
قوله: "وبقول النساء هي رتقاء أو عذراء".
أقول: وجه السقوط عنها وعنهم أنه لايمكن وحود حقيقة الزنى الموجبة للحد وهي إيلاج فرج في فرج كالرشا في البئر والميا في المكحاة، فوجدوها عذراء مانع من ثبوت الحق شرعا