وأما الاستدلال بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة"، كما في الصحيحين [البخاري "5310"، مسلم "1497"، وغيرهما ابن ماجة "2560"، فليس فيه إلا اشتراط البينة وعدم جواز الحد بدونها كالقرائن القوية وليس هذا من درء الحد بالشبهة لأنه لم يكن قد حصل المقتضي للحد وهو البينة كما لا يخفى.

قوله: "ولو في بهيمة فيكره أكلها".

أقول: إيجاب الحد على الناكح للبهيمة وجهه أنه يصدق عليه الحد الذي ذكره في أول هذا الفصل ولكنه قد ورد ما يدل على أنه يقتل كما في حديث ابن عباس عند أحمد "1/269"، وأبي داود "4464"، والترمذي "1455"، والنسائي "4/322"، وابن ماجة "2564"، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، قال الترمذي "4/57"، بعد إخراجه هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه سفيان الثوري عن عاصم بن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال: "من أتى بهيمة فلا حد عليه"، حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان وهو أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق انتهى ولفظ ابن ماجة في هذا الحديث عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، وهو من غير طريق عمرو بن أبي عمرو وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل وفيه مقال ولكنه قد وثقه أحمد.

ولا يخفاك أن عصمة الدم بالإسلام لا ينقل عنها إلا ناقل تطمئن به النفس وينشرح له الصدر بخلاف ما تقدم فيمن عمل عمل قوم لوط فإن عمل الخلفاء الراشدين عليه وعدم الاختلاف بينهم فيه قد عضد ما ورد من القتل على فاعله ودل أبلغ دلالة على أنه شرع ثابت وأما كراهة أكل البهيمة فلم يثبت ما يدل عليه والأمر بقتلها لا ينافي جواز أكلها إذا كانت مما تؤكل.

قوله: "ومتى ثبت بإقراره مفصلا" الخ.

أقول: الأصل في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم أنها معصومة بعصمة الإسلام كما صرحت بذلك أدلة الكتاب والسنة المتواترة فإذا ثبت في الشريعة ما يوجب ذهاب هذه العصمة بحقه كما في الحديث الصحيح [البخاري "6878"، مسلم "25/1676"، أبو دالود "4352"، أحمد "1/382"، ابن ماجة "2534"، أنه: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث"، كان الواجب الوقوف على ذلك الناقل ومن جملة ما ينقل عن هذه العصمة الاعتراف بالزنا من البكر والمحصن وقد اكتفى صلى الله عليه وسلم في غير موضع بالإقرار مرة فلو كان الإقرار أربعا شرطا لا تحل تلك العصمة إلا به لم يقم صلى الله عليه وسلم حدا على من أقر مرة واحدة.

وأما تثبته صلى الله عليه وسلم في أمر ماعز حتى أقر أربع مرات فقد شهدت قصته بأن النبي صلى الله عليه وسلم شك في صحة عقله وسأل قومه ومن ذلك ما أخرجه مسلم "23/1695"، وغيره من حديث عبد الله بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015