[يجب على من لا يغني عنه غيره ويحرم على كل مختل شرط ويندب ويكره ويباح ما بين ذلك حسب الحال وشروطه الذكورة والتكليف والسلامة من العمى والخرس والاجتهاد في الأصح والعدالة المحققة وولاية من إمام حق أو محتسب أما عموما فيحكم أين ومتى وفيم وبين من عرض أو خصوصا فلا يتعدى ما عين ولو في سمع شهادة وإن خالف مذهبه فإن لم يكن فالصلاحية كافية م مع نصب خمسة ذوي فضل ولا عبرة بشرطهم عليه] .
قوله: باب القضاء: "يجب على من لا يغني عنه غيره".
أقول: قد اتفق المسلمون أجمعون على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد ذكرنا غير مرة أنهما العمادان الأعظمان من أعمدة هذا الدين وأنهما واجبان على كل فرد من المسلمين وجوبا مضيقا فالقاضي القادر على الحكم بالحق والعدل وبما أنزل الله إذا امتنع من الدخول في القضاء فقد أهمل ما أوجبه الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك أعظم ما أوجبه الله على عباده وأهم ما كلفهم به هذا على تقدير أنه يغني عنه غيره أما إذا كان لا يغني عنه غيره فأي واجب أوجب عليه من الدخول وأي تكليف شرعي يعدل هذا التكليف وأي فرار مما تعبد الله به عباده يساوي هذا الغرار ولا سيما من خشي من له حظ من العلم يبلغ به إلى الحكم بين عباد الله بما شرعه لهم أن يثبت على هذا المنصب الشريف الذي هو مقعد من مقاعد النبوة ومنصب من مناصبها من لا يتعقل حجج الله ولا يبلغ به علمه إلى معرفتها فإنه حينئذ يتضيق عليه الوجوب ويتعين عليه الدخول وإلا كان مشاركا في الإثم لمن أجرى أحكام الله على غير مجاريها وأوقعها في غير مواقعها.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا شك في وجوب الدخول في القضاء على من لا يغنى عنه غيره ولا شك في تحريمه على من لا يصلح له إما لقصور في علمه أو في إدراكه أو في دينه لأنه تلبس بما لا يصلح له ودخل فيما ليس هو من شأنه وفي عدا هذين فهو متردد بين أحاديث الترغيب في الولايات والترهيب فيها.
فمن أحاديث الترغيب ما ثبت في صحيح مسلم "1827"، وغيره [النسائي "8/221"، أحمد "2/160"] ، من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، ومن ذلك حديث: "لا حسد إلا في اثنتين"، وفيه: "رجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها بين الناس"، وهو في صحيح البخاري "1409، 7141، 7316"، وغيره مسمل "816"، ابن ماجة "4208"، أحمد "1/358، 432"، وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة [البخاري "7352"، مسلم