وأما قوله: "ويصح عن المجهول بمعلوم" إلخ قأقول المعتبر في هذا حصول التراضي الذي هو المناط الشرعي في تحليل الأموال فإذ حصل ذلك جاز على كل حال مهما أمكن الوقوف على القدر جملة أو تفصيلا لأن ما لا يوقف على قدره بوجه لا يتحقق فيه ذلك المناط ويدل على جواز الصلح بالمجهول على المعلوم ما ثبت في الصحيح أن جابر بن عبد الله كان عليه تحر ليهودي فعرض عليه ثمر بستانه فأبى فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلم اليهودي فعرض صلى الله عليه وسلم ذلك على اليهودي فأبى فمشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "جد له" فأوفى اليهودي وبقي لجابر قدر وهو سبعة عشر وسقا بعد أن أوفى اليهودي ما هو له وهو ثلاثون وسقا.
وأما كون لكل وارث المصالحة فوجهه ظاهر لأن الدين قد صار متعلقا بتركة الميت ولكل واحد منهم فيها نصيب وإذا صالح الواحد منهم عن الجميع كان رجوعه على الباقين بما دفع من الصلح مما هو زائد على نصيبه ثابتا إن أجازوا ذلك ورضوا به وإلا نفذ الصلح في نصيبه.
وأما كونه لا يصح الصلح عن حد فوجهه أنه صلح أحل حراما لأن إسقاط الحدود بعد ثبوتها حرام كما ثبت الوعيد على ذلك بالأدلة الصحيحة وهكذا لا يصح عن نسب لوروده الوعيد الشديد على من انتسب بغير نسبة أو أدخل على قوم من هو من غيرهم [أبو داود "2263"، النسائي "5/179، 180"، ابن ماجة "2743"] .
قوله: "ولا يصح عن إنكار".
أقول: هذا الصلح مندرج تحت عموم الحديث المتقدم وليس فيه تحليل حرام ولا تحريم حلال فلا وجه للمنع منه وهذا القدر يكفي في دفع المنع ومع هذا فقد وقع الصلح عن إنكار من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الرجلين المتنازعين في المسجد حتى ارتفعت أصواتهما فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدين بأن يضع الشطر من دينه فرضي بذلك والقصة ثابتة في الصحيح وكما أن مثل هذا الصلح عن إنكار داخل في عموم الحديث المذكور هو أيضا داخل تحت قوله عز وجل: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقوله: [النساء: 128] ، {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] .
وأما قوله: "وتحليل محرم وعكسه" فوجهه ظاهر لاستثنائهما في الحديث الدال على جواز الصلح بين المسلمين ولو اقتصر المصنف على هذا لكان فيه غنى عن التطويل في غير طائل.