وأما ما ذكره من ترجيح المؤرخة فلا أرى له وجها صحيحا لأن المطلقة يمكن أن تكون قبلها ويمكن أن تكون بعدها فينبغي أن ينظر هل يمكن تعدد الواقعة أم لا؟ فإن لم يمكن فالقسمة كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون من قبيل قوله ثم يتهاتران وأما كونه يكون مع التهاتر لذي اليد فوجهه أنه عمل بالاستصحاب لعدم وجود الناقل الخالص عن المعارض وإن لم يكن لأحدهما عليه يد أو كان في أيديهما فالقسمة فإنها مدرك شرعي كما مر.
وأما قوله: "ويحكم للمطلقة بأقرب وقت" فهذا فيه شبهة التحكم فإنها إذا كانت متحملة لأقرب وقت وأبعده وأوسطه كان حملها على أحد محتملاتها حملا بلا مرجح.
[فصل
ومن شهد عند عادل ثم رجع عنده أو عند مثله بطلت قبل الحكم مطلقا وبعده في الحد والقصاص قبل التنفيذ وإلا فلا فيعزمون لمن غرمته الشهادة أو نقصته أو أقرت عليه معرضا للسقوط ويتأرش ويقتص منهم عامدين بعد انتقاص نصابها وحسبه قيل في الحدود حتى يبقى واحد ثم على الرؤوس وفي المال على الرؤوس مطلقا والمتممة كواحد والنسوة الست كثلاثة ولا يضمن المزكي] .
قوله: "فصل: ومن شهد عند عادل ثم رجع" الخ.
أقول: لا وجه للتقييد بكون الشهادة عند عادل ولا يكون الرجوع عنده أو عند مثله بل المعتبر صحة الرجوع بوجه من الوجوه ومع الرجوع تبطل شهادته من غير فرق بين كونها قبل الحكم أو بعده وأي تأثير للحكم مع بطلان مستنده فإن هذا من أعجب ما يقرع سمع من يتعقل الحقائق فضلا عمن هو عالم بالأسباب الموجبة لثبوت أحكام الشرع ولا فرق بين الحد والقصاص وغيرهما فإن كان قد وقع التقييد فلا شك أن الحاكم مغرور من جهة الشهود وهم سبب الجناية على المشهود عليه فيغرمون لمن أصيب بشهادتهم في بدنه أو في ماله أما في البدن فظاهر لأنه قد حل به ما لم يمكن استدراكه إلا بتسليم ديته أو أرشه وأما في المال فلا يغرمون إلا إذا تعذر إرجاع ذلك المال إلى يد مالكه وتعذر الرجوع على من أتلفه بقيمته.
وأما ما ذكره من الاقتصاص من الشهود فخبط لا ينبني على حقيقة وذهول عما سيأتي له في الجنايات وما ذكره بعد هذا فهو ظاهر لا يحتاج إلى الكلام عليه.