كونه مختارا فوجهه أن إقرار المكره لا حكم له لحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وهو حديث صالح للاحتجاج به ولا سيما بعد تأييده بقوله عزوجل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] ، إلى آخر الآية وما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عزوجل قال: "قد فعلت"، كما قدمنا.
وأما كونه لم يعلم هزله فوجهه أن ذلك ليس بإقرار إنما هو لقصد آخر وأما إذا لم يعلم هزله كان مؤاخذا بإقراره ودعوى كونه هازلا خلاف الظاهر وهكذا إذا علم كذبه لأن الإقرار الذي يلزم به الحق هو ما كان مطابقا للخارج وإذا لم يكن مطابقا له فليس هو الإقرار الذي تجب به الحقوق.
وأما كونه في حق يتعلق به فوجهه أن الحق الذي أقر به لو كان متعلقا بغيره كان ذلك إقرارا على الغير وهو باطل.
وأما كونه يصح الإقرار من الأخرس فوجهه أنه يمكنه أن يشير إشارة يفهم عندها مراده وذلك هو معنى الإقرار لأن اللفظ لا يشترط في هذا الباب كما يشترط في غيره ويصح أن يكون الإقرار في الزنا والقذف بالإشارة كما هو الحق من أن الإشارة المفهمة تكفي فيهما ولا وجه لاشتراط تكرر الإقرار في الزنا على أنه لو كان ذلك شرط لكان تكرير الإشارة المفهمة بمنزلة تكرير الإقرار.
قوله: "ومن الوكيل فيما وليه".
أقول: لا وجه لهذا فإن التوكيل في الأصل إنما هو لمطالبة الخصم أو لمدافعته ولا يدخل للإقرار على الموكل في هذا بل هو إضرار به لم يأذن له ولا جعله إليه فإن وكله وكالة مفوضة فهذا التفويض إنما ينصرف إلى ما ينفعه لا إلى ما يضره نعم إذا وكله بأن ينشيء الإقرار عنه أو يخبر به كان هذا التوكيل مقتضيا لصحة إقرار الوكيل ولا مانع من ذلك ولا وجه لاستثناء القصاص ونحوه بل يصح إقرار الوكيل بالإقرار بكل حق من مال أو قصاص أو حد إذا قد وجد المقتضى لصحة الإقرار والنفي المانع من صحته.
وأما كون دعوى الوكيل غير إقرار للأصل فظاهر لأنه إنما ادعاه تعبيرا عن الموكل وخصومة من جهته فلا يلزم تسليمه إلى الموكل إذا صار إليه.
[فصل
ولا يصح من مأذون إلا فيما أذن فيه ولو أقر بإتلاف ومحجور إلا لبعد رفعه وعبد إلا فيما يتعلق بذمته ابتداء أو لإنكار سيده أو يضره كالقطع لا المال عند م ولا من الوصي ونحوه إلا بأنه قبض أو باع] .