البطن والظهر من المحرم وأنه لا يجوز نظر ذلك منها لمحرمها فليس لذلك وجه لا من رأي ولا من رواية ولم يعولوا إلا على دعوى الإجماع ولا أدري كيف هذه الدعوى فقد حصل التساهل البالغ في نقل الإجماعات وصار من لا بحث له عن مذاهب أهل العلم يظن أن ما اتفق عليه أهل مذهبه وأهل قطره هو إجماع وهذه مفسدة عظيمة فإن الجمهور قائلون بحجية الإجماع فيأتي هذا الناقل بمجرد الدعوى بما نعم به البلوى ذاهلا عن لزوم الخطر العظيم على عباد الله من النقل الذي لم يكن على طريق التثبت والورع وأما أهل المذاهب الأربعة فقد صاروا يعدون ما اتفق عليه بينهم مجمعا عليه ولا سيما المتأخر عصره منهم كالنووي ومن فعل كفعله وليس هذا هو الإجماع الذي تكلم العلماء في حجيته فإن خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا قبل ظهور هذه المذاهب ثم كان في عصر كل واحد من الأئمة الأربعة من أكابر أهل العلم الناهضين بالاجتهاد من لا يأتي عليه الحصر وهكذا جاء بعد عصرهم إلى هذه الغاية وهذا يعرفه كل عارف منصف ولكن الإنصاف عقبة كئود لا يجوزها إلا من فتح الله له أبواب الحق وسهل عليه الدخول منها.
وأما قوله: "ولمسها ولو بحائل إلا لضرورة" فهذا مسلم فيما ورد الدليل بأنه عورة لا فيما هو مجرد دعوى منها.
وأما قوله: "وعليها غض البصبر كذلك" فقد قدمنا الكلام عليه في أول الفصل وقد استدل الجواز نظر النساء إلى الرجال بما ثبت في الصحيح [البخاري "1/5469"، مسلم "17، 18، 20، 21/792"، من أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إلى لعب الحبشة في المسجد ويجاب عنه بأنه لا تلازم بين النظر إلى وجوههم والنظر إلى لعبهم فإن اللعب هو الحركات الصادرة منهم من تقليب حرابهم بأيديهم وحركة أبدانهم والمصير إلى هذا متحتم لإيجاب غض البصر عليهن كما نطق به الكتاب العزيز وأيضا ثبت في الصحيح [البخاري "5190"، مسلم "18/892"، عن عائشة في هذه القصة أنها قالت: وأنا جارية حديثة السن فاقدروا قدر الجارية حديثة السن.
وأما قوله: "يجب التستر ممن لا يعف" فظاهر لأن ذلك منكر وإنكاره واجب وأقل أحوال الإنكار التستر.
وأما قوله: "ومن صبي يشتهي ولو مملوكها" فوجهه أن العلة التي شرع الله لها التستر وحرم بسببها النظر هي مخافة الوقوع في المعصية ومن كان يشتهي أو يشتهى فوقوعه والوقوع معه في ذلك مجوز عقلا وعادة.
وأما قوله: "ولو مملوكها" فظاهر قوله عزوجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ، يدل على خلاف ذلك ويؤيد هذا الظاهر ما في سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: "إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك"، فقوله: "إنما هو أبوك وغلامك" يدل على أنه يجوز لمملوك المرأة أن ينظر إليها.