"إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم"، والأحاديث في الباب كثيرة وقد كانت هذه السنة مشتهرة بين السلف حتى كانوا يذكرون في ترجمة الرجل في الغالب أنه كان يخضب أو لا يخضب ولا ينافي مشروعية الخضب حديث: "لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم"، كما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وصححه الترمذي وابن حبان فإن تعليل المنع بكونه نور المسلم على عدم جواز خضبه فإن نوره بعد خضبه زائد على نوره قبل خضبه.
[فصل
ويحرم على المكلف نظر الأجنبية الحرة غير الطفلة والقاعدة إلا الأربعة ومن المحرم المغلظ والبطن والظهر ولمسها ولو بحائل إلا لضرورة وعليها غض البصر كذلك والتستر ممن لا يعف ومن صبي يشتهى أو لا يشتهى ولو مملوكها ويحرم النمص والوشر والوشم والوصل بشعر غير المحرم وتشبه النساء بالرجال والعكس] .
قوله: "فصل: ويحرم على المكلف نظر الأجنبية".
أقول: حكى المصنف في البحر عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل أنهم يجوزون النظر إلى وجه الأجنبية وهذا النقل عنهم باطل فكتبهم على اختلافها مصرحة بخلاف ذلك فإن الرواة عنهم من أهل مذاهبهم في كتبهم المعتمدة منهم من صرح بأنهم لم يتكلموا إلا على العورة في الصلاة ولم يتكلموا على النظر ومنهم من صرح بأنهم قائلون بالمنع من النظر ومنهم من صرح بأن القائلين بالمنع المتأخرون من أتباعهم ولا يخفاك أن الأدلة الدالة على تحريم النظر إلى وجه الأجنبية ثابتة في الكتاب والسنة.
فمن الكتاب: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ، الآية وبعده {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] ، الآية وكلام المتكلمين في تفسير هذه الآية من الصحابة فمن بعدهم معروف منقول في كتب الحديث والتفسير ومن ذلك في الكتاب العزيز ما ورد في الحجاب عموما وخصوصا ومن ذلك قوله عزوجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، وقوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] ، الآية فإن تخصيصهن يدل على أن حكم من عداهن بخلاف حكمهن كما سيأتي ومنها قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] ، ومن ذلك قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [فقد ثبت في الصحيح أن هذه الآية لما نزلت قالت عائشة رحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهم على جيوبهن شققن مروطهم فاختمرن بها أي وقعت منهن التغطية لوجوههم وما يتصل بها ومن ذلك قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] .