مندوب لأنه لم يرد ما يدل على أن ذلك خاص به ولا ورد ما يدل على أن ذلك عزيمة على الأمة فكان مندوبا وفي الذبح في الجبانة فوائد منها أن يعلم بذلك الفقراء فيقصدونه ويردون عليه ولا سيما في حق الإمام فإن الناس يعلمون بذبحه للأضحية حتى يذبحوا ضحاياهم فتكون ضحايا مجزئة لما قدمنا من أنه صلى الله عليه وسلم أمر من نحر قبل أن ينحر أن يعيد نحره وما ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت للأئمة بعده.
قوله: "وكونها كبشا موجوءا أقرن أملح".
أقول: وجه ذلك ما أخرجه ابن ماجة "3122"، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد الله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وآل محمد.
وهذا الحديث وإن كان في إسناده عيسى بن عبد الرحمن بن فروة وفيه ضعف فقد روى مثله من حديث عائشة.
وروى أيضا أنه ضحى بكبشين موجوءين أقرنين من حديث عائشة عند أحمد والحاكم والبيهقي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال خفيف وأخرج نحوه أحمد بإسناد حسن من حديث أبي رافع.
وقوله في الحديث الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يضحي يدل على أن ذلك هو الغالب من أحواله كما يفيد لفظ كان وبهذا يثبت حكم الندب ولا ينافيه لمخالفة في بعض الأحوال كما في حديث أبي سعيد: قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل أخرجه أهل السنن أبو داود "2796"، الترمذي "1496"، النسائي "7/321"، ابن ماجة "3128"، وصححه الترمذي 4/85"، وابن حبان وهو على شرط مسلم.
فإن قلت ندبية التضحية بالكبش يدل على أنه أفضل من التضحية بالإبل والبقر مع العلم بأن التضحية بالناقة والبقرة الانتفاع بها لأهل البيت والفقراء أكثر ولهذا عدلت عشرا من الغنم أو سبعا كما تقدم.
قلت: ملازمته صلى الله عليه وسلم للتضحية بالكبش أو الكبشين مع وجوج الإبل في عصره وكثرتها يدل على أفضليتها في الأضحية وإن كانت مفضولة من وجه آخر.
قوله: "وينتفع ويتصدق".
أقول: وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا وادخروا وائتجروا" كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ: "كلوا وادخروا وتصدقوا" وذلك ثابت في الصحيحين وغيرهما.
وقد كان صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدخروا ثلاثة أيام ثم يتصدقوا بما بقي ثم نسخ ذلك وبين لهم أنه إنما قصرهم على الثلاث لأجل الدافة التي دفت من محاويج العرب ومعنى قوله: "واتجروا"، أي اطلبوا الآجر بالصدقة كما بينه في الرواية الأخرى بقوله: "وتصدقوا"، وفي الباب أحاديث.
وأما قوله: "ويكره البيع" فوجهه أن البيع ليس بأكل ولا ادخار ولا اتجار وهو أيضا