قوله: "باب الكتابة"
أقول: ذهب الجمهور إلى أنها غير واجبة وذهبت الظاهرية إلى أنها واجبة ونقله ابن حزم عن مسروق والضحاك وزاد القرطبي معهما عكرمة وهو قول للشافعي واختاره ابن جرير الطبري وحكاه المصنف في البحر عن عطاء وعمرو بن دينار وقال اسحق بن راهويه إنها واجبة إذا طلبها العبد.
احتج القائلون بالوجوب بقوله سبحانه: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] ، وأجاب الجمهور عن الاستدلال على الوجوب بهذه الآية بأجوبة منها ما قاله الإصطخري إن القرينة الصارفة للأمر المذكور في الآية هو الشرط المذكور في آخرها وهو قوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه فدل على أنه غير واجب ومنها ما قال غيره إن الكتابة عقد غرر فكان الأصل أن لا يجوز فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ومنها ما قاله القرطبي إنه لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بالكتابة غير واجب لأن قوله خذ كسبي وأعتقني يصير بمنزلة أعتقني بلا شيء وذلك غير واجب اتفاقا وقد أجيب بأجوبة غير هذه والحق أن الآية قد دلت على وجوب الكتابة مع علم السيد بالخير في عبده وقد عمل بهذه الآية عمر بن الخطاب كما في صحيح البخاري عن موسى بن أنس أن سيرين سأل أنس بن مالك المكاتبة وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر فقال كاتبه فأبى فضربه بالذرة وتلى عمر: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] .
[فصل
يشترط في المكاتب التكليف وملك في الرقبة والتصرف وفي المملوك التمييز وفيها لفظها والقبول في المجلس بالتراضي وذكر عوض له قيمة وإلا بطلت معلوم كالمهر يصح تملكه مؤجل منجم لفظا ولو عجل وإلا فسدت فيعرض للفسخ ويعتق بالأداء وتلزم القيمة] .
قوله: "يشترط في المكاتب التكليف".
أقول: وجه ذلك أنها عقد معاوضة والصبي والمجنون غير جائزي التصرف وهكذا يشترط كونه مالكا للرقبة لأن صحة العتق وقبض العوض غير مترتبه على صحة الملك.
وأما قوله: "وفي المملوك التمييز" فلا وجه له بل لا بد أن يكون مكلفا جائز التصرف وأما ما ذكره من القبول في المجلس فالتراضي لا بد منه وهو المناط في ثبوت ذلك ولا يشترط