قوله: "ومن اعتبرت فيه ففسق" الخ.

أقول: هذا كلام يشمل جميع الولايات مع الفرق بين الولاية الأصلية والمستفادة ولا يخفاك أن حدوث أمر في العدل يوجب سلب العدالة عنه وإن لم يكن فسقا هو مانع من القبول المشروط بالعدالة ومن بقاء الولاية المشروطة بها فلا بد من تحقق عدمه على وجه يحصل به انثلاج القلوب واطمئنان الخواطر بأن ملكة العدالة قد عادت لذلك الشخص كما كانت قبل حدوث هذا المانع فإذا حصل هذا صار عدلا يجوز له أن يباشر ما كان يباشره قبل حدوث ذلك المانع ولا يحتاج إلى تجديد تولية لأن انعزاله وبطلان ولايته مشروطان باستمرار ذلك المانع وقد ذهب ولم يستمر وليس لمن إليه الولاية المستفادة منه أن يأبى من قبوله ويصمم على نزع يده إلا إذا لم ينشرح صدره بعدالته المتجددة لأمر بنبغي التوقف عنده لا لمجرد الشك والوسوسة.

قوله: "وتبطل توليه أصلها الإمام بموته" الخ.

أقول: هذه الولاية من الإمام الواقعة لشخص من الأشخاص في أمر من الأمور إن كانت مقيدة بمدة حياته كان وجه بطلانها هو انقضاء الوقت الذي هي مقيدة به وأما إذا كانت مطلقة غير مقيدة لبطلانها بموت الإمام لأنها ولاية واقعة من أهلها مصادفة لمحلها ولا دليل بيد من قال ببطلانها لا من رواية ولا من دراية والأصل عدم حدوث المانع كما أن الأصل عدم ارتفاع المقتضى ولو كان مجرد موت الإمام مؤثرا لبطلان ولاية من من جهته لكان موت من عقد الإمامة للإمام من رؤس المسلمين مؤثرا لبطلان ولاية الإمام وارتفاع إمامته واللازم باطل بإجماع المسلمين سابقهم ولاحقهم فالملزوم مثله.

قوله: "ولمن صلح لشيء ولا إمام فعله" الخ

أقول: جاء المصنف رحمه الله بهذه الكلية لما قدمه من الكلام في عموم الولايات وإن كان محل الجميع كتاب السير وينبغي أن تعلم أن نصيب الأئمة الثابت في هذه الشريعة ثبوتا لا ينكره من يعرفها من أقواله صلى الله عليه وسلم ثم وقوعه بالفعل بعد موته صلى الله عليه وسلم من الصحابة فمن بعدهم ليس فيه ما ينفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أفراد المسلمين وإن كان الأئمة هم المقدمون في ذلك والأحقون به لكن إذا فعلوا كان ذلك مسقطا لهذا الفرض المعلوم بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والمجمع عليه من جميع الأمة وإن لم يفعلوا أو لم يطلعوا على ذلك فالخطاب باق على أفراد المسلمين لا سيما على العلماء فإن الله سبحانه قد أخذ عليهم البيان للناس فقال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] ، وقال في الآية التي بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] ، فإذا كان البيان لا يتم إلا بإيقاع حكم الله بالحكم مع التمكن من ذلك فما لا يتم الواجب إلا به واجب كوجوبه.

والحاصل أن الغرض المقصود للشارع من نصيب الأئمة هو أمر أولهما وأهمهما إقامة منار الدين وتثبيت العباد على صراطه المستقيم ودفعهم عن مخالفته والوقوع في مناهيه طوعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015