أقول: وجه هذا أنه حفر في ملكه فانسياق الماء إليه فضل من الله عزوجل فليس لمن كان الماء في ملكه أن يخاصمه لأنه لا يجد عليه سبيلا يقتضي الخصومة وهكذا من سقى بنصيبه غير ذات الحق فإنه لما كان مستحقا للسقي جاز له أن يصرفه حيث شاء ويسقي به من أراد من أملاكه حيث لا مجاوزة للمقدار المستحق وإلا كان ممنوعا من الزيادة التي زادها في السقي لغير ذات الحق ولهذا استثنى المصنف بقوله إلا الإضرار فهذا الاستثناء صواب.
[فصل
ويملك الماء بالنقل والإحراز أو ما في حكمهما فتتبعه أحكام الملك وهو مثلي في الأصح وما سوى ذلك فحق لمن سبق إليه قدر كفايته ولو مستخرجا من ملك في الأصح لكن يأثم الداخل إلا بإذن والأخذ على وجه يضر] .
قوله: "فصل: ويملك الماء بالنقل والإحراز".
أقول: قد قدمنا في باب الإحياء الأدلة الدالة على اشتراك الناس في تلك الأشياء التي من جملتها الماء ويقدم ما فيه التصريح بأنه من الأشياء التي لا يحل منعها فاقتضت هذه الأدلة أنه مشترك بين العباد ليس بعضهم أولى به من بعض فهذا هو النوع الأول من الأدلة الواردة في الماء.
النوع الثاني من الأدلة: النهي عن منع فضل الماء كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ"، وفي لفظ لمسلم: "لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ"، وفي لفظ للبخاري: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلإ" وفي الباب أحاديث المجموع منها يدل على المنع من بيع فضل الماء ليتوصل بمنعه إلى المنع من الكلأ وظاهرها أنه يجوز منع غير الفضل يوجوز منع الفضل لغير منع الكلأ.
النوع الثالث: ما قدمناه قريبا من أنه يجوز للأعلى أن يمسك الماء في أرضه إلى الكعبين ثم يرسله إلى من تحته فحصل من مجموع الأدلة الواردة في الماء بعد تقييد بعضها ببعض أنه يجوز للسابق إلى الماء المتقدم حقه فيه أن يمنع ما تدعو حاجته إليه ويرسل ما فضل لمن ينتفع به إما لسقي أرض أو لسقي دوابه أو للشرب منه أو للتطهر به ويزداد الإثم إذا منعه لغرض منع الكلاء فإنه قد جمع بين المنع لشيئين قد أثبت الشرع الاشتراك فيهما بين الناس وهما الماء والكلاء فالحاصل أن كل ماء موجود على ظهر الأرض فالأصل فيه الشركة بين العباد إلا قدر ما يحتاجه السابق الأحق فإن ذلك قد استثناه له الشرع وسوغه له وأما ما زاد على قدر الحاجة فليس له منعه ولا يملكه بإحراز ولا غيره بل هو متعد