الصوامع المحدثة المعورة لا تعلية الملك وإن أعورت فلكل أن يفعل في ملكه ما شاء وإن ضر الجار إلا عن قسمة] .
قوله: "فصل: وإذا التبس عرض الطريق بين الأملاك" الخ.
أقول: ينبغي أن يقال هنا ترك ما لا يضر بمن يعتاد المرور فيها فإن مآرة الطريق تختلف فقد لا يمر فيها شيء من الدواب لا محملة ولا غير محملة فيترك حينئذ ما لا يضر بمن يمر فيها فإن كانت معتادة لمرور الدواب فيها ترك ما لا يضر بها عند مرورها ولا وجه لما ذكره المصنف من المقادير فقد يحتاج المارة فيها إلى زيادة على ما ذكره كالطرق المعتادة لمرور الجيوش فيها خيلا ورجلا وقد يكفي ما هو دون ما ذكره كالطرق التي لا يمر فيها إلا بنو آدم وصغار الدواب فإنه يكفي فيها دون السبعة الأذرع وهكذا لا وجه لتقييد المنسدة بأعرض باب فيها فقد يعتاد أهلها دخول الدواب إليها بأحمالها ولكنه قد ثبت في الصحيحين [البخاري "2473"، مسلم "1613"، وغيرهما [أحمد "2/228"، أبو داود "3633"، الترمذي "1355"، من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع"، وهو ما يدل على الرجوع إلى هذا المقدار في كل طريق وقد ورد تقييد هذا المطلق بما أخرجه عبد الرزاق من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع"، وكذا في حديث عبادة عند الطبراني وحديث أنس عند ابن عدي وفي إسناد كل واحد منها مقال.
وأما قوله: "ولا بغير ما علم قدره" الخ فتكرار لما تقدم من قوله ولا يضيق قرار السكك.
قوله: "وتهدم الصوامع المحدثة" الخ.
أقول: إن كان إحداثها في موضع يختص بمحصورين فلا بد من إذنهم لأن لكل واحد منهم حقا في ذلك الموضع الخاص بهم وإن كان إحداثها في مكان لا يختص بمحصورين ولا تضييق فيها على المارة ولا على أهل الحق العام وليس إلا كونها مرتفعة على البيوت ويمكن أن يكون المؤذن غير عدل في الباطن فهذه مفسدة يمكن دفعها بما يتعذر معه النظر منها إلى المحلات التي يقع الاطلاع عليها مع رعاية المصلحة العامة لهم بسماع الأذان إذا كانوا في مكان بعيد عن الأمكنة التي يؤذن فيها فإن هذه مصلحة خالصة بعد دفع تلك المفسدة فلا ينبغي إطلاق هدمها كما فعل المصنف بل لا بد من التقييد بما ذكرنا.
وأما قوله: "لا تعلية الملك وإن أعورت" فمبني على ما عقبه به من قوله فلكل واحد أن يفعل في ملكه ما شاء وإن ضر الجار وهذه الكلية الشاملة لما في السياق وغيره تقشعر لها الجلود وترجف عندها الأفئدة فإن التوصية بالجار كتابا وسنة والأوامر النبوية بالإحسان إليه ودفع ما يضره حتى قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه"، [البخاري "6016"، مسلم "46"، أحمد "2/288"] ، لو تعرض متعرض لجمعها لجاءت في مصنف مستقل وناهيك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"، كما في الصحيحين البخاري