شرب الكدر فبها ونعمت وإن عجز عن ذلك كان الحق الثابت بالدليل الصحيح باقيا غير باطل بترك الفور وحصول التراخي ولم يأت المدع للبطلان بشيء يصلح للتمسك به أصلا فإن حديث: "الشفعة كحل العقال" قد قال ابن حبان لا أصل له وقال أبو زرعة منكر وقال البيهقي ليس بثابت وأما الاستشهاد له بحديث: "الشفعة لمن واثبها" فهذا إنما رواه من لا معرفة له بعلم الرواية من الفقهاء كأبي الطيب الطبري وابن الصباغ صاحب الشامل في الفقه والمأوردي وهؤلاء ليس من رجال الرواية ولا يرجع إلي مثلهم في ذلك فليس هذا بحديث لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا هو في كتاب حدثني فمن اغتر به وزعم أنه يشهد للحديث الأول ويفيد أن لهما أصلا في الجملة فقد أخطأ فإن الحديث الأول منكر غير ثابت وإن أخرجه ابن ماجه ففي كتابة السنن الكثير من أمثاله وأما الآخر فليس بحديث ومما يؤيد ما ذكرناه ما تقدم في حديث جابر بلفظ: "ينتظر بها وإن كان غائبا"، وهو حديث حسن كما تقدم.
وإذا تقرر لك هذا عرفت أن من تراخى جأهلا لاستحقاقها أو يكون تراخيه مؤثرا للبطلان لا تبطل شفعته بالأولى فإنها إن لم تبطل بالتراخي لغير عذر كان عدم بطلانها بالتراضي بعذر مثل هذا من باب فحوى الخطاب.
وأما قوله: "لا ملك السبب واتصاله" فتكرير لقوله إلا لأمر فارتفع أو لم يقع فإن هذين قد أفادهما ذاك.
وأما قوله: "وتولى البيع" الخ فمبني على ما تقدم من بطلانها بالتراخي وقد عرفت ما فيه فلا فرق بين تولي البيع وبين إمضائه وقد أكثروا من التعسفات فى إبطال هذا الحق الثابت بالشرع كقوله ويطلب من ليس له طلبه أو المبيع بغيرها أو بغير لفظ الطلب فإن جعل هذه المبطلات للشفعة مجرد دعأوي لم تعضد ببرهان ولا دل عليها نقل ولا عقل ومجرد قولهم إن الاشتغال بذلك مع العلم تراخ فنقول لهم هذا الأصل الذى بنيتم عليه هذه القناطر قد هدمناه وأرحناكم من التعب في تقويمه وهكذا قوله أو بعضه ولو بها إلي آخر البحث فإنه مبني على ذلك الأصل المهدوم.
قوله: "وبخروج السبب عن ملكه" الخ.
أقول: وجه ذلك أنه رضي بإبطال شفعته بإخراج ما هو سبب لثبوتها عن ملكه قبل مصيرها إليه فبطلت.
وأما قوله: "وبتراخي الغائب" الخ فلا وجه لهذا التحديد وقد تقدم في حديث جابر بلفظ: "ينتظر بها وإن كان غائبا" وظاهره أنه ينتظر سواء طالت المدة أو قصرت وسواء كان في مسافة ثلاث أو أكثر وكلام المصنف هذا وما بعده إلي آخر الفصل مبني على أن الشفعة تبطل بالتراخي وقد عرفت ما فيه فلا نطيل الكلام في غير طائل.