فإن كان ذلك لمحبته للاعتراض على ما قد وقع تدوينه في هذا الكتاب فهذا أمر لا يعجز عنه أحد ولكن الرزية كل الرزية أنه صدر نفسه للتكلم على أدلة الكتاب والسنة المتعلقة بهذه المسائل ثم تجرأ على درها بما هو أوهن من بيت العنكبوت وخبط وخلط وركب الشطط وجاء بأقبح الغلط فكان ذلك جناية على الشرع والشارع اللهم غفرا.

قوله: "أو ثمر قبل نفعه أو بعده قبل صلاحه".

أقول: الأدلة المصرحة بالنهي عن بيع الثمار قبل صلاحها ثابتة في الصحيحين [البخاري "4/394"، مسلم "49/1534"، وغيرهما [أبو داود "3367"، الترمذي "1226"، النسائي "4519"، ابن ماجة "2214"، ثبوتا أوضح من شمس النهار حتى وقع التأكيد لهذا النهي بزيادة لفظ نهى البائع والمبتاع ثم ورد بيان الصلاح عن الشارع في حديث أنس في الصحيحين [البخاري "2197، 2198"، مسلم "1555"] : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهى قالوا وما تزهى قال: "تحمر"، ثم أكد ما ورد من النهي بما وقع في حديث أنس هذا في الصحيحين [البخاري "4/404"، مسلم "15/1555"] ، من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك"، فجاء بهذا الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ للبائع وأنه يستحل مال أخيه إذا باع قبل الصلاح ومنع الله الثمرة بغير ما يحل به وما قاله الدارقطني من أن هذه الزيادة مدرجة من قول أنس مردود بأنه قد ثبت من حديث جابر عند مسلم "14/1554": "إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق"، وقد أوضحت هذا في الشرح المنتقى وكل هذا ظاهر في أن النهي للتحريم وأما مشروعية وضع الجوائح فباب آخر لأن وضع الجائحة عند وقوعها لا ينافي ما دلت عليه هذه الأحاديث من تحريم المبايعة وتحريم الدخول فيها قبل الصلاح.

وأما قوله: "قيل إلا بشرط القطع" فلا وجه له لأن مثل هذا لا يرفع التحريم الثابت بالأدلة وأما قوله: ولا بعدهما بشرط البقاء, فلم يرد ما يدل على أن هذا الشرط مانع من البيع الذى أذن فيه الشارع وجعله غاية للنهي ومجرد الشرط لا يوجب ذلك ولا يقتضيه وقد ثبت في الصحيحين [البخاري "5/49"، مسلم "80/1543"،] ، وغيرهما أبو داود "3433"، الترمذي "1244"، النسائي "4636"، ابن ماجة "2211"، أحمد "2/9، 82، 150"] ، عنه صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع نخلا قبل أن يؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع"، فإذا كان هذا الشرط غير مؤثر في بيع النخل فكذا في بيع الثمر.

قوله: "ولا فيما يخرج شيئا فشيئا".

أقول: لا وجه لإطلاق المنع بل يجوز بيع الخارج الأول بعد صلاحه إلا أن يتعذر ذلك بوجه من الوجوه أو يتداخل الحاصل بحيث لا يتميز ما قد صلح منه مما لم يصلح فإنه بيع ذلك لا يصح لوجهين الأول أنه من بيع الغرر المنهى عنه كما قدمنا والثاني أنه لم يحصل شرط صحة بيع الثمار وهو الصلاح لعدم تميز الصالح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015