قال: كانوا يبتاعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعأما فلا يبعه حتى يستوفيه"، قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله وهذا الحسبان من ابن عباس قد دل عليه حديث حكيم بن حزام وزيد بن ثابت الذى ذكرناه.
فالحاصل أن بيع الشيء قبل قبضه منهى عنه وليس في الأحاديث إلا النهي عن البيع فلا يلحق به سائر التصرفات فلا وجه لقول المصنف ولا يتصرف فيه قبل قبضه فإن قيل إنها مقاسة عليه فهو قياس مردود بوجود الفارق وأما قوله ويبطل المبيع بتلفه فظاهر لأنه إذا تلف لم يبق ما هو متعلق به وشرط له أو ركن وهكذا استحقاقه لأنه انكشف أنه ملك لغير بائعه فلا نفوذ لما وقع منه وأما كونه يفسخ بالعيب فلما سيأتي في العيوب وأما كونه لا يبدل فلأن التراضي وقع عليه لا على غيره وذلك بيع آخر وإنما ذكر هذه الأمور ليبين أن الثمن لا يكون كذلك فالفصل معقود للفرق بين الثمن والمبيع.
قوله: "والثمن عكسه في ذلك".
أقول: وجهه أنه لم يرد فيه ما ورد من الأدلة في البيع من النهي عن أن يكون معدوما وان يباع قبل قبضه وإذا بطل الثمن فالمبيع باق وهو الذى اعتبروا فيه ما اعتبروا وقيم النقود متسأوية فإذا عدم شيء منها فمثله موجود بخلاف البيع فإن الغرض يتعلق بما وقع التراضي عليه وليست الأعيان المتفقة في الجنس والنوع متسأوية كتسأوي النقود بل مختلفة غاية التخالف والأعراض مختلفة فقد يكون قيمة هذه العين مثل عشر قيمة غيرها مع كون الجنس واحدا والنوع واحد ثم إن التراضي حال البيع على ثمن هو كذا من الدراهم أو الدنانير وليس المقصود للبائع إلا دفع ذلك العدد من ذلك النقد المتعامل به في البلد ولا يتعلق له عرض بغيره ولا بهذا منه دون هذا مع الاتحاد وعدم التفأوت ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي من حديث ابن عمر قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فقال: "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء"، وهو صريح في جوز البيع بأحد النقدين وأخذ الآخر عوضا عنه وجواز التصرف بالثمن المسمى قبل قبضه.
قوله: "والقيمي والمسلم فيه مبيع أبدا".
أقول: اعلم أنه لا مستند لهذا إلا مجرد الرأي الراجع إلي اصطلاح حادث وعادات جارية والشرع أوسع من هذا وهكذا لغة العرب فإذا قال أحد المتبايعين للآخر بع مني هذه العين بهذه العين فباعها وتراضيا على ذلك كان هذا بيعا شرعيا ولغويا سواء كانا قيميين في اصطلاح أهل الفروع أو مثليين أو أحدهما قيميا والآخر مثليا إذا لم يكونا مما يحرم بيع أحدهما بالآخر مطلقا أو مشروطا بالتسأوي والمقايضة وقد رتبوا على هذا الاصطلاح أن المثلى لا يضمن إلا بمثله والقيمي لا يضمن إلا بقيمته وهو رأي بحت لم يقم به دليل ومنقوض أيضا بما ثبت في حديث