وأما اعتبار كون المالك مكلفا فأمر لا بد منه لأن نفوذ التصرفات موقوف على بلوغ المتصرف إلي سن التكليف وهي أول مظنات الرشد وأما من دون التكليف فقد عرفت أن الله سبحانه أمر الولي بأن يمل عنه وجعل تصرفاته إليه وإذا أذن له بالتصرف كان المعتبر هو هذا الإذن الصادر من الولي لا مجرد تصرف غير المكلف ولعله إن شاء الله تعالي يأتي في باب المأذون زيادة تحقيق للمقام.
وأما اشتراط أن يكون مختارا فأمر لا بد منه لأن المناط هو التراضي وطيبة النفس كما سلف والمكره لا رضا منه ولا طيبة نفس وأما اشتراط كون البائع مطلق التصرف فلأن المحجور محبوس عن التصرف فهو كالمحكوم عليه بعدم التصرف في المال الذى تنأوله الحجر إذا وقع من متأهل للحكم وصادف سببا يقتضي الحجر وسيأتي الكلام إن شاء الله على الحجر وأما كونه ملكا أو متوليا عن غيره بولاية شرعية فأمر لا بد منه فإن من لم يكن مالكا ولا متوليا كذلك لا حكم لبيعه لأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وقد قال سبحانه: {وَلا تَأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .
وأما كونه بلفظ تمليك إلخ فقد عرفناك أن المعتبر هو التراضي وطيبة النفس فما أشعر بهما ودل عليهما فهو البيع الشرعي وهكذا القول المعتبر فيه ذلك فقط فما أشعر به فهو الشراء الشرعي فلو قال البائع بعت هذا منك بكذا فأخذه المشتري ولم يتكلم ولا أشار وتفرقا من المجلس كان ذلك بيعا شرعيا موجبا لانتقال المبيع من ملك البائع إلي ملك المشتري وهكذا لو قال المشتري اشتريت منك هذا بكذا فسلمه البائع إليه ولم يصدر منه لفظ ولا إشارة وتفرقا من المجلس كان ذلك كافيا فيما ذكره من التطابق وما بعده إنما هو مراعاة لجانب الألفاظ ولا اعتبار لذلك.
وأما قوله: "غير مؤقت" فصحيح لأن اللفظ الدال على التوقيت قد أشعر بخلاف موجب البيع وهو مصير البيع إلي ملك المشتري من غير تقييد وأما قوله ولا مستقبل أيهما فيقال إذا أشعر لفظ الاستقبال بالرضا وطيبة النفس بانتقال الملك في الحال فلا يضر كونه مستقبلا ولا يقدح في الصحة بل لا مانع شرعا ولا عقلا بأن يكون مرادهما ما دل عليه لفظ الاستقبال فيكون البيع ناجزا ثابتا عند حصول أول وقت من أوقات المستقبل وهو اللحظة المتعقبة لما تكلما به فيكون بيعا صحيحا وتجارة عن تراض وأي مانع من هذا بل لو قال بعت منك هذا بعد سنة كان بيعا شرعيا إذا حصل التراضي وطيبة النفس ويخرج من ملك البائع إلي ملك المشتري بعد مضي السنة وأما قوله غير مقيد بما يفسدهما وإن كان ذلك المفسد هو مدلول اللفظ مع تحقق الرضى وطيبة النفس فلا حكم له وإن كان باعتبار شرط من الشروط فسيأتي الكلام عليه في باب الشروط المقارنة للعقد.
قوله: "ولا تخللهما في المجلس إضراب ولا رجوع".
أقول: وجهه أن الإضراب قد دل على عدم الرضى وطيب النفس وكذلك الرجوع واعتبار المجلس قد ورد به الشرع كما سيأتي في الحديث الصحيح: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، [البخاري