وأما إيجاب الدواء فوجهه ان وجوب النفقة عليه هي لحفظ صحتها والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها.
وأما قوله: "وعشرة دهنا ومشطا وسدرا وماء" فليس في هذه الامور دليل يدل على أنها تلزم الزوج ولا هي مما تدعو اليه الضرورة.
وأما قوله: "ولغير البائنة ونحوها" الخ فقد قدمنا لك انها لا تجب السكنى الا للمطلقة رجعيا فقط.
وأما قوله: "والاخدام في التنظيف" فليس في الأدلة ما يدل على إيجاب ذلك على الزوج وإن كان مما يدخل حسن العشرة وتحت الامساك بمعروف وتحت قوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] ، ولكن ليس ذلك بحتم على الزوج على تقدير ان الزوجة ممن تعتاد ذلك.
قوله: "بحسب حالهما وإن اختلفا فبحسب حاله" الخ.
أقول: الوجوب على الزوج فينبغي ان يكون الاعتبار بحاله وهو المخاطب ولقوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] ، فإذا كان الزوج موسعا عليه انفق نفقة موسعة وإن كان مضيقا عليه انفق بحسب قدرته وما تبلغ إليه استطاعته وليس عليه غير ذلك ولا اعتبار بحال المرأة أبدا فإذا كان مضيقا عليه وهي من أهل الرفاهية وممن يعتاد التوسع في المطعم والمشرب ونحوهما توسعت من مال نفسها إن كان لها مال وإلا صبرت على ما رزق الله زوجها فهو القابض الباسط.
والحاصل ان الانفاق يكون بالمعروف كما أرشد اليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، والمعروف بين أهل الغنى والسعة وبين أهل الفقر والشدة لا يخفى على من له خبره بأحوال الناس في مصره وعصره.
وأما قوله: "إلا المعتدة عن خلوة" ففيه ما قدمنا في العدة وهم يوجبون نفقة البائنة فهذه إن كانت بائنة كما ذكروا فيما سبق ان رجعية ما كان بعد وطء على غير عوض مال وبائنة ما خالفه فما بالها لم تجب نفقتها كسائر البائنات وإن كان طلاقها رجعيا لا بائنا فالرجعية قد أوجبوا لها النفقة والسكنى وأوجبهما لها الدليل وقد جعلوا الخلوة موجبة للمهر فما بالها لم توجب النفقة.
قوله: "والعاصية بنشوز له قسط".
أقول: لم يرد في الأدلة ما يدل على ان الزوجة إذا عصت زوجها سقطت نفقتها ويمكن ان يقال إن الله سبحانه قد أمرهن بالطاعة وبالغ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك غاية المبالغة حتى قال: "لو جاز السجود لغير الله لامرت الزوجة ان تسجد لزوجها" [الترمذي "1159"] ثم ورد تقييد عدم البغي عليهن بالطاعة كما في قوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: 34] ، فإذا حصلت المعصية منها لزوجها جاز له أن يعاقبها بقطع النفقة حتى تعود إلي طاعته لانها تركت ما هو حق عليها من الطاعة فجاز له ان يترك ما هو حق عليه من النفقة.