القبيل حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فإن له طرقا يشهد بعضها لبعض ولذلك حسنه من حسنه.
والمراد بالرفع رفع الخطإ بذلك وترتب أحكامه عليه وهذا المقدار يكفي في الاستدلال على عدم صحة طلاق المكره على تقدير عدم وجوب ما يدل عليه بخصوصه فكيف وقد دل عليه خصوصا حديث: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" فإن ابن قتيبة والخطأبي وابن السيد حكوا عن ائمة اللغة أنهم فسروه بالاكراه ولا ينافي ذلك تفسير بعضهم له بالغضب وبعضهم له بالتضييق على ما في هذين التفسيرين من الضعف البين والمخالفة لما هو الظاهر.
قوله: "مكلف".
أقول: للانفاق على ان الصبي والمجنون غير مكلفين بالأحكام الشرعية ولكون ما صدر منهما لم يكن صادرا عن قصد أما المجنون فظاهر اذ لا قصد له صحيح اصلا وأما الصبي فلأن قصده كلا قصد لنقصان إدراكه.
ومما يدل على عدم الوقوع حديث: "رفع القلم عن ثلاثة"، [أحمد "6/100، 101 144"، أبو داود "4398"، النسائي "6/156" ابن ماجة "2041"] ، ولا وجه لاستثناء السكران بقوله غالبا لأنه إذا ذهب إدراكه كان لاحقا بالمجانين وله حكمهم.
وأما قول من قال إنه يقع طلاقه عقوبة له فقد ورد الشرع بأن عقوبته الحد وليس لنا ان تجعل له عقوبة من جهة انفسنا ونرتب عليها أحكاما لم يأذن الله بها وقد سكر حمزة رضي الله عنه قبل تحريم الخمر وقال للنبي صلى الله عليه وسلم ولعلي رضي الله عنه لما دخلا عليه وهو سكران: هل أنتم الا عبيد لأبي, فلو كان لكلام السكران حكم لكان هذا الكلام كفرا.
وقد أطلنا الكلام على طلاق السكران في شرحنا للمنتقي فليرجع اليه ففيه مالا يحتاج الناظر فيه إلي غيره.
قوله: "قصد اللفظ في الصريح".
أقول: هذا من غرائب الاجتهاد وعجائب الراي وكيف يؤاخذ من قصد التكلم باللفظ غير مريد لمعناه بما هو مدلول ذلك اللفظ مع أنه غير مقصود ولا مراد واي تكليف ورد بمثل هذا واي شرع أو لغة أو عرف دل عليه فإن الالفاظ إنما هي قوالب المعاني ولا تراد لذاتها اصلا لا عند أهل اللغة ولا عند أهل الشرع فالمتكلم بلفظ الطلاق الصريح في معناه إذا لم يرد المعنى الذي وضع له ذلك اللفظ وهو فراق زوجته فهو كالهاذي الذي يأتي في هذيانه بألفاظ لا يريد معانيها ولا يقصد مدلولاتها.
فالحاصل ان من لم يقصد معنى اللفظ لم يؤاخذ به وإن تكلم به الف مرة ومن زعم غير هذا فقد جاء لما لم يعقل ولا يطابق شرعا ولا عقلا ولا رايا قويا نعم إذا جاء في لفظه بما هو طلاق صريح وقال إنه لم يقصد معناه ولا أراد مدلوله كان مدعيا لخلاف الظاهر لأنه ادعى ما لا