ونهى عن إمساكهن ضرارا فقال: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} [البقرة: 231] ، وأمر بالامساك بالمعروف أو التريح بإحسان فقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، ونهى عن مضارتهن فقال: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] ، فالغائب ان حصل مع زوجته التضرر بغيبته جاز لها ان ترفع امرها إلي حكام الشريعة وعليهم ان يخلصوها من هذا الضرار البالغ هذا على تقدير ان الغائب ترك لها ما يقوم بنفقتها وانها لم تتضرر من هذه الحيثية بل من حيثية كونها لا مزوجة ولا أيمة أما إذا كانت متضررة بعدم وجود ما تستنفقه مما تركه الغائب
فالفسح بذلك على انفراده جائز ولو كان حاضرا فضلا عن ان يكون غائبا وهذه الايات التي ذكرناها وغيرها تدل على ذلك.
فإن قلت هل تعتبر مدة مقدرة في غيبة الغائب قلت لا بل مجرد حصول التضرر من المراة مسوغ للفسخ بعدالاعذار إلي الزوج إن كان في محل معروف لا إذا كان لا يعرف مستقره فإنه يجوز للحاكم ان يفسخ النكاح بمجرد حصول التضرر من المراة ولكن إذا كان قد ترك الغائب ما يقوم بما نحتاج اليه ولم يكن التضرر منها الا لأمر غير النفقة ونحوها فينبغي توقيفها مدة يخبر من له عدالة من النساء بأن المراة تتضرر بالزيادة على تلك المدة وأما إذا لم يترك لها ما تحتاج اليه فالمسارعة إلي تخليصها وفك اسرها ودفع الضرار عنا واجب ثم إذا تزوجت بآخر فقد صارت زوجته وان عادالأول فلا يعود نكاحه بل قد بطل بالفسخ فلا تشتغل بهذه التفاصيل التي ذكرها المصنف رحمه الله.
قوله: "ويحرم الجمع بين من لو كان احدهما ذكرا" الخ.
أقول: هذه الكلية محتاجة إلي دليل تقوم به الحجة ولم يرد الا فيما هو اخص من ذلك كالجمع بين الاختين وبين المرأة وعمتها والمراة وخالتها أما الجمع بين الاختين فبنص الكتاب العزيز وأما الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها فبالسنة الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما المروية من طريق جماعة من الصحابة وقد أبعد من رام دفع هذا الحكم الثابت بهذه السنة الصحيحية بمجرد الخيالات المختلة والعلل المعتلة وقد حكى بعض أهل الاجماع على التحريم ومثل الروافض والخوارج من فرق الضلال ليسوا ممن ينبغي ان يشتغل بشانهم ولا بتدوين مقالاتهم الباطلة ولا يقدح خلافهم في إجماع الامة الإسلامية ولكن التعصب يتشعب شعبا كثيرة قد يقع الواقع فيها بل في أشدها ضررا واعظمها خطرا وهو لا يدري كما أوضحت ذلك في كتأبي الذي سميته ادب الطلب ومنتهى الأرب.
واعلم أن الله سبحانه قد انزل في كتابه العزيز فيما يحل ويحرم من المناكح الكثير الطيب ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم بين للناس ما نزل اليهم وبالغ في البيان والأيضاح فيس بنا حاجة إلي التعويل على ما يذكره أهل الفروع إذا جاءوا بما لم يرد به دليل.
وأما الحكم ببطلان العقد الذي وقع فيه الجمع بين حرتين أو امتين فهو صواب إن كان قد وردالدليل المقتضى للمنع من ذلك لأن الفاعل لذلك فعل مالا يبيحه الشرع وما ليس عليه