سورة شهوتها فذلك من الامساك لها ضرارا وقد قال الله سبحانه {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} [البقرة: 230] ، وهو أيضا من المضارة لها وقد قال تعالي: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] . وهذا مضار لها وفي الشريعة المطهرة ما يدل على جواز الفسخ بمجرد الكراهة كما في حديث: "أتردين عليه حديقته" وفيها أيضا جواز الفسخ للاعواز عن النفقة وبهذا تعرف انه لا وجه للحكم بهذا التحريم بادئ بدء وهكذا لا وجه للحكم بالتحريم على عارف التفريط من نفسه فإنه قد يتحول الحال وقدترضى المرأة بتفريطة وبعد هذا كله فالطلاق بيده إذا استمر على هذا السجية المذمومة والطبيعة الناقصة وأيضا لها ان تطلب الخلاص منه لما قدمنا.
قوله: "ويندب ويكره ما بينهما ويباح ما عدا ذلك".
أقول: النكاح من آكد السنن وقد أمر الله سبحانه به في كتابه العزيز وثبت في السنة الصحيحية في الصحيحين [البخاري "4/119"، مسلم "1400"] ، وغيرهما [أبو داود "2046"، الترمذي "1081"، النسائي "4/169، 6/56، 57" ابن ماجة "1845"، أحمد "1/4"] ، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" وصح عنه في الصحيحين [البخاري "9/117"، مسلم "4/129"] ، وغيرهما النهي عن التبتل وقال فيما صح عنه في الصحيحين [البخاري "9/104"، مسلم "1401"، وغيرهم "لكني أصوم وأفطر واصلي وانام واتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
والحاصل ان النكاح سنة مؤكدة فلا وجه لجعل بعض اقسامه مباحا فإن ذلك دفع في وجه الادلة ورد للترغيبات الكثيرة في صحاح الاحايث وحسانها وقد ذكرنا بعضا من ذلك في شرحنا للمنتقى نعم من كان فقيرا لا يستطع القيام بمؤنة الزوجية فله رخصة في ترك هذه السنة الحسنة لقوله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ} [النور: 33] ، الآية على ما في تفسيرها من الاختلاف.
قوله: "وتحرم الخطبة على خطبة المسلم بعد التراضي".
أقول: الاحاديث الصحيحية الواردة الثابتة في الصحيحين وغيرهما عن عقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر قد صرحت بالنهي عن ان يخطب الرجل على خطبة اخيه إلي غاية هي قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى ينكح أو يترك"، وفي حديث آخر بلفظ: "حتى يترك الخاطب أو يأذن له الخاطب" فوقوع الخطبة مقتض لتحريم خطبة الآخر إلي هذه الغاية وبمجرد وقوع الخطبة الأولى يحصل التحريم سواء علم الاخر بالرضا من المرأة ام لم يعلم لكن وإذا انتهى الحال إلي عدم وقوع الرضا منها فتلك الخطبة كأنها لم تكن لعروض مانع من ثبوتها وهو عدم الرضا ولا يقال انها لا تحرم الخطبة على الاخر الا إذا علم بالرضا بل تحرم عليه ما لم يعلم بعدم الرضا عملا بالنهي ووقفا على حكمه ولا منافاة بين الاحاديث القاضية بتحريم الخطبة وبين ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من المشورة على فاطمة بنت