اتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بإذان واحد واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر الحديث وفي الباب أحاديث في الصحيحين [البخاري "3/523"، مسلم "287"، 288، 1286"] ، وغيرهما [أبو داود "1926"، الترمذي "887"، النسائي "3033"] .
وهكذا الدفع منها قبل الشروق وقد ثبت في حديث جابر المذكور انه صلى الله عليه وسلم بعد ان صلى الفجر ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام وفي الباب احاديث.
والحاصل ان الادلة قد دلت على وجوب المبيت بمزدلفة وعلى جمع العشاءين بها وعلى صلاة الفجر فيها وعلى الدفع منها قبل شروق الشمس فهذه واجبات من واجبات الحج وفرائض من فرائضه لا سيما صلاة الفجر بمزدلفة لقوله في حديث عروة بن مضرس المتقدم "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" فإن هذه العبارة تفيد انه لا يتم حج من لم يصل الفجر بالمزدلفة.
قوله: "السادس المرور بالمشعر".
أقول: هذا قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم انه ركب القصواء حتى اتى المشعر الحرام ولا ينافي كونه منسكا من مناسك الحج قول من قال إنه من المزدلفة أو المزدلفة فلا مانع من ان يجتمع في موضع واحد منسكان فمبيته صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة نسك واتيان المشعر الحرام بعد صلاة الفجر نسك وقد أيد كونه نسكا الامر القرآني بالدعاء عنده حيث قال تعالي: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ، فإن قلت كان يلزم على هذا ان يكون في المزدلفة نسكات متعددة المبيت بها وجمع العشاءين فيه وصلاة الفجر بها والمرور بالمشعر الحرام والدعاء عنده قلت هذا ملتزم وما المانع من ذلك وهذا الذكر المشروع قد بينه صلى الله عليه وسلم فإنه لما اتى المشعر الحرام استقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا هكذا في الحديث الثابت في الصحيح وبه يظهر انه لا يكفى مجرد المرور بالمشعر بل لا بد من الوقوف فيه كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: "السابع رمي جمرة العقبة".
أقول: رمى الجمار قد صح من قبله صلى الله عليه وسلم على الصفة الثابتة في الاحاديث المشتملة على بيان حجه صلى الله عليه وسلم فكان رميها رميها منسكا من مناسك الحج لما قدمنا من ان فعله صلى الله عليه وسلم لبيان مجمل الكتاب والسنة ومن جملة ذلك ما في حديث جابر الثابت في الصحيح قال رمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس وثبت أيضا من فعله صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات والمراد بالجمرة هنا وبالجمرة الكبرى جمرة العقبة.
وأما اشتراط كونها طاهرة مباحة فللأدلة الواردة في المنع من استعمال النجاسات وملابستها وما ورد فهي تحريم مال الغير الا باذنه وأما كونها غير مستعملة فلم يدل عليه دليل والاصل الجواز والدليل على المانع.