الدارقطني بأن القدر المرفوع من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها وكذلك قال البيهقي كما ذكره ابن كثير في الارشاد وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وقال صحيح على شرط مسلم انه لا اعتكاف الا بصوم فقد صحح الدارقطني والبيهقي وابن حجر انه موقوف على ابن عباس وأيضا قد أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه انه قال صلى الله عليه وسلم: "ليس على المعتكف صيام" ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه على ابن عباس فتعارضت الرواية عن ابن عباس كما ترى ولا حجة في قوله.

قوله: "واللبث في مسجد أو مسجدين متقاربين".

أقول: مفهوم الاعتكاف الشرعي هو اللبث في المسجد فلا توجد هذه الماهية الا بذلك والا لزم أن يكون الاعتكاف في الدور والاسواق والصحراء صحيحا واللازم باطل بالاجماع فالملزوم مثله ومعلم الشرائع صلى الله عليه وسلم الذي جاء بمشروعية الاعتكاف لم يفعله الا في المسجد ولم يشرعه لأمته الا في المساجد وهذا القدر يكفى ومن ادعى انها توجد ماهية الاعتكاف الشرعية في غير مسجد فالدليل عليه.

وإذا عرفت هذا لم تحتج إلي الاستدلال بما روى "أنه لا اعتكاف إلا في مسجد" أو لا اعتكاف الا في مسجد جماعة ولا للاحتجاج يقول سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] .

قوله: "واقله يوم".

أقول: لم يأتنا عن الشارع في تقدير مدة الاعتكاف شيء يصلح للتمسك به واللبث في المسجد والبقاء فيه يصدق على اليوم وبعضه بل وعلى الساعة إذا صحب ذلك نية الاعتكاف وأما حديث: "من اعتكف فواق ناقة فكأنما اعتق نسمة من ولد إسماعيل" فلم يثبت من وجه يصلح للاستدلال به قل في البدر المنير هذا حديث غريب لا أعرفه بعد البحث الشديد عنه.

قوله: "وترك الوطء"

أقول: قد دل على هذا الكتاب العزيز قال الله تعالي: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، ودل عليه إجماع الامة فدل ذلك على ان الوطء لا يجامع الاعتكاف وان عدم الترك وهو فعل الوطء يؤثر عدمه في عدم الاعتكاف فكان شرطا من هذه الحيثية.

وأما قول المصنف: "والايام في نذره تتبع الليالي والعكس ويصح استثناء جميع الليالي من الايام لا العكس إلا البعض" فمبنى على ما ذكره من اشتراط الصوم ومن ان اقل الاعتكاف يوم وقد عرفت ما هو الحق.

وأما قوله: "ويتابع من نذر شهرا أو نحوه" فلا بد ان يكون نأويا للتتابع لأنه لو أراد الاعتكاف عدد أيام الشهر مع التفريق صح ذلك ويعتكف ثلاثين يوما من اشهر وهكذا قوله ومطلق التعريف للعموم لا بد من ان يريد به ذلك لأن معاني التعريف مختلفة ولا مانع من ان يريد بالمعرف غير العموم بل الاصل في التعريف العهد كما صرح بذلك المحقق الرضى وكلام أهل الاصول والبيان في ذلك معروف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015