وقد زيد في بعض الطرق زيادة بلفظ: "إلا أن يتغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه" وهذه الزيادة وإن كان قد ضعفها كثير من الحفاظ لكنه قد وقع الاجماع على العمل بما دلت عليه فصارت من المتلقي بالقبول.
وإذا تقرر لك هذا فالماء الذي في البئر ونحوها إن لم يتغير بوقوع النجاسة فيه فهو طاهر لا يحتاج إلي نزح أصلا وإن كان قد تغير لبعض أوصافه أو كلها فالواجب النزح حتى يزول تغيره سواء كان حصول زوال التغير بنزح القليل أو الكثير بل لو زال التغير بغير نزح لكان ذلك موجبا لطهارته لأنه عند ذلك يصير طهورا ويعود عليه الحكم الذي كان له قبل تغيره وسواء كان الماء الذي في البئر قليلا أو كثيرا فإنه إذا زال تغيره صار طاهرا.
وأما الحكم بأنه ينزح القليل والملتبس إلي القرار أو إلي أن يغلب الماء النازح فليس ذلك إلا مجرد رأي ليس عليه اثارة من علم.
[فصل ويطهر النجس والمتنجس به بالاستحالة إلا ما يحكم بطهارته كالخمر خلا والمياه القليلة المتنجسة باجتماعها حتى كثرت وزال تغيرها إن كان قبل وبالمكاثرة وهي ورود أربعة أضعافها عليها أو ورودها عليها فيصير مجأورا ثالثا إن زال التغير وإلا فأول وبجريها حال المجأورة وفي الراكد الفائض وجهان] .
قوله: فصل "ويطهر النجس والمتنجس به بالاستحالة إلي ما يحكم بطهارته كالخمر خلا".
أقول: إذا استحال ما هو محكوم بنجاسته إلي شيء غير الشيء الذي كان محكوما عليه بالنجاسة كالعذرة تستحيل ترابا أو الخمر يستحيل خلا فقد ذهب ما كان محكوما بنجاسته ولم يبق الاسم الذي كان محكوما عليه بالنجاسة ولا الصفة التي وقع الحكم لأجلها وصار كأنه شيء آخر وله حكم آخر.
وبهذا تعرف أن الحق قول من قال بان الاستحالة مطهرة ولا حكم لما وقع من المناقشة في ذلك كما في ضوء النهار وغيره.
أما حديث أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وشرب لبنها فذلك يقيد التحريم للأكل والشرب ولا يعترض به على كون الاستحالة مطهرة بأن يقال إن النجاسة التي أكلتها الجلالة إذا صارت لبنا فقد استحالت فكيف وقع النهي عن شرب اللبن لأنا نقول هذا حكم وارد في تحريم الشرب للبن الجلالة لا في نجاسة لبنها ولا ملازمة بين التحريم والنجاسة فليست النجاسة فرع التحريم كما يقوله بعض أهل الفروع.
قوله: "والمياه القليلة المتنجسة باجتماعها" الخ.