أقول: قد قدمنا انه لا خمس في خراج ولا معاملة ولا ما يؤخذ من أهل الذمة وأما الفرق بين الغني والفقير والمتوسط وتفسير كل واحد منهم بهذه التفاسير فليس لذلك أصل يرجع اليه ولاله دليل يعتمد عليه وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما نزل اليهم من قوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] ، فامر معاذ بن جبل ان يأخذ من كل حالم دينارا.

أخرجه أحمد ["5/230"] وابو دأود ["1576", "1577", "1578"] والترمذي ["623"] والنسائي ["5/26"] وابن حبان والحاكم وصححاه وإذا نظر الامام لمصلحة راجعة إلي الدين وأهله ان يزيد شيئا من غير ظلم أو ينقص شيئا فعل.

وأخرج البخاري ["6/257"] عن ابن أبي نجيح قال قلت لمجاهد ما شان أهل الشام عليهم اربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبيل اليسار.

وأما كونها لا تؤخذ الا ممن يجوز قتله فلأمره صلى الله عليه وسلم لمعاذ ان يأخذها من كل حالم.

قوله: "الثاني نصف عشر ما يتجرون به" الخ.

أقول: لم يات في الكتاب العزيز الا الجزية ولا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ضرب على اموال أهل الذمة شيئا ولا وجه للاستدلال بما وقع من بعض الصحابة فإن ذلك لا تقوم به الحجة لا سيما في مثل اموال المعاهدين الذين وردت السنة المطهرة بأن ظالمهم "لا يرح رائحة الجنة" [أحمد "5/46، 5/50"، أبو دأود "2760"، النسائي "8/24"] .

فالحاصل انه لا يجب عليهم شيء سوى الجزية وهي مأخوذة لحقن الدماء وليس في أموالهم شيء فإن الله سبحانه إنما فرض الزكاة والفطرة في أموال المسلمين تطهرة لهم كما قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، ولا تطهرة للكفار فهذه المسألة مبنية على غير أساس لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس.

قوله: "الثالث الصلح ومنه ما يؤخذ من بني تغلب".

أقول: ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من مصالحة أهل البحرين وكانوا مجوسا كما ثبت في الصحيحين [البخاري "6/257-258", مسلم "6/2961"] وكذلك مصالحته لأكيدر دومة [أبو داود "3037"] وكذلك مصالحته لأهل نجران وكل ذلك جزية صالحهم على مقدارها بما روى عنه في ذلك وليس ذلك مالا آخر غير الجزية وفي ذلك دليل على ان للإمام ان يصالح عن الجزية بما فيه مصلحة.

قوله: "الرابع ما يؤخذ من تاجر حربي امناه".

أقول: هذا الذي يؤخذ من تجار أهل الحرب هو أيضا جزية لانه مأخوذ في مقابلة تأمينهم في بلاد السملمين وحقن دمائهم وليس ذلك شيئا آخر غير الجزية وللإمام ان يأذن لتجار أهل الحرب ان يدخلوا بتجارتهم إلي ارض المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة.

وأما كونه يؤخذ منهم بقدر ما ياخذون من تجارنا إن اخذوا وإلا فلا فهذا أيضا مما لنظر الائمة فيه مدخلا لأن الاخذ منهم مع كون أهل الحرب لا يأخذون من تجار المسلمين يؤدى إلي إنزال الضرر بتجار المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015